الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  قال أبو الحسن الأشعري في كتاب : " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " [1] : " اختلف [2] الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم ، وهم ست فرق : فالفرقة [3] الأولى الهشامية ، أصحاب هشام بن الحكم الرافضي : يزعمون أن معبودهم جسم ، وله نهاية وحد ، طويل عريض عميق ، طوله [ ص: 218 ] مثل عرضه ، وعرضه مثل عمقه ، لا يوفى بعضه على [4] بعض [5] ، وزعموا أنه نور ساطع ، له قدر من الأقدار ، في مكان دون مكان ، كالسبيكة الصافية يتلألأ [6] كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ، ذو لون وطعم ورائحة ومجسة " وذكر كلاما طويلا [7] .

                  " والفرقة الثانية من الرافضة : يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام ، وإنما يذهبون في قولهم : إنه جسم ، إلى أنه موجود ، ولا [8] يثبتون البارئ ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة [9] ، ويزعمون أن الله [10] على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف .

                  والفرقة الثالثة من الرافضة [11] : يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان ، ويمنعون أن يكون جسما .

                  والفرقة الرابعة من الرافضة الهشامية - أصحاب هشام بن سالم الجواليقي - : يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان ، وينكرون أن يكون لحما ودما ، ويقولون : هو [12] نور ساطع يتلألأ بياضا [13] ، وأنه ذو حواس [ ص: 219 ] خمس كحواس الإنسان ، له يد ورجل [14] ، وأنف وأذن ، وفم وعين [15] ، وأنه يسمع بغير ما به يبصر [16] ، وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم " .

                  قال : " وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة [17] سوداء [18] ، وأن ذلك نور أسود .

                  والفرقة الخامسة : يزعمون أن لرب العالمين [19] ضياء خالصا ونورا بحتا [20] ، وهو كالمصباح الذي من حيث جئته يلقاك بأمر واحد [21] ، وليس بذي صورة ولا أعضاء ، ولا اختلاف في الأجزاء ، وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان ، أو [ على ] [22] صورة شيء من الحيوان " .

                  قال [23] : " والفرقة السادسة من الرافضة [24] : يزعمون أن ربهم ليس بجسم [25] ولا بصورة [26] ، ولا يشبه الأشياء ، ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس .

                  [ ص: 220 ] وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج " .

                  قال أبو الحسن الأشعري [27] : " وهؤلاء قوم من متأخريهم [28] ، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون بما حكيناه [29] عنهم من التشبيه " .

                  قلت : وهذا الذي ذكره [ أبو الحسن ] [30] الأشعري عن قدماء الشيعة من القول بالتجسيم قد اتفق على نقله عنهم أرباب المقالات ، حتى نفس الشيعة كابن النوبختي وغيره ذكر [ ذلك عن ] هؤلاء الشيعة [31] .

                  وقال أبو محمد بن حزم وغيره : أول من قال في الإسلام : إن الله جسم [ هشام بن الحكم ] [32] ، وكان الذين يناقضونه في ذلك المتكلمين [33] من المعتزل كأبي الهذيل العلاف .

                  فالجهمية والمعتزلة أول من قال : إن الله ليس بجسم .

                  فكل من القولين قاله قوم من الإمامية ومن أهل السنة الذين ليسوا بإمامية .

                  وإثبات الجسم قول محمد بن كرام وأمثاله ممن يقول بخلافة الخلفاء [34] الثلاثة ، والنفي [35] قول أبي الحسن الأشعري وغيره ممن يقول [ ص: 221 ] بخلافة الخلفاء الثلاثة ، وقول كثير من أتباع الأئمة الأربعة : أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية