الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فلفظ " أهل السنة " يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة ، فيدخل [1] في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة ، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة ، فلا يدخل فيه إلا من يثبت [2] الصفات لله تعالى ويقول : إن القرآن غير مخلوق ، وإن الله يرى في الآخرة ، ويثبت القدر ، وغير ذلك من الأصول [3] المعروفة عند أهل الحديث والسنة .

                  وهذا الرافضي - [ يعني المصنف ] [4] - جعل أهل السنة بالاصطلاح الأول ، وهو اصطلاح العامة : كل من ليس برافضي ، قالوا : هو من أهل السنة . ثم أخذ ينقل عنهم مقالات لا يقولها إلا بعضهم مع تحريفه لها ، فكان في نقله من الكذب والاضطراب ما لا يخفى على ذوي الألباب .

                  وإذا عرف [ أن ] مراده [5] بأهل السنة السنة العامة ، فهؤلاء متنازعون في إثبات الجسم ونفيه كما تقدم ، والإمامية أيضا متنازعون في ذلك .

                  وأئمة النفاة هم الجهمية من المعتزلة ونحوهم يجعلون من أثبت الصفات مجسما ، بناء عندهم على أن الصفات [6] لا تقوم إلا بجسم

                  [ ص: 222 ] ويقولون : إن الجسم مركب من الجواهب المفردة [7] ، أو من المادة والصورة .

                  فقال لهم أهل الإثبات : قولكم منقوض بإثبات الأسماء الحسنى ، فإن الله حي عليم قدير ، فإن [8] أمكن إثبات حي عليم قدير وليس بجسم ، أمكن أن يكون له حياة وعلم وقدرة وليس بجسم ، وإن لم يمكن إثبات [9] ذلك ، فما كان جوابكم عن إثبات الأسماء كان جوابنا عن إثبات الصفات .

                  ثم المثبتون للصفات منهم من يثبت الصفات المعلومة بالسمع ، كما يثبت الصفات المعلومة بالعقل ، وهذا قول أهل السنة الخاصة - أهل الحديث ومن وافقهم - وهو [10] قول أئمة الفقهاء وقول أئمة الكلام من أهل الإثبات ، كأبي محمد بن كلاب وأبي العباس القلانسي [11] وأبي الحسن [ ص: 223 ] الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد [12] وأبي الحسن الطبري [13] والقاضي أبي بكر بن [14] الباقلاني ، ولم يختلف في ذلك قول الأشعري وقدماء أئمة أصحابه . لكن المتأخرون من أتباعه كأبي المعالي وغيره لا يثبتون إلا الصفات العقلية ، وأما الخبرية فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها [ كالرازي والآمدي وغيرهما ] [15] .

                  ونفاة الصفات الخبرية منهم [ من يتأول نصوصها ، ومنهم ] [16] من يفوض معناها إلى الله .

                  [ ص: 224 ] وأما من أثبتها كالأشعري وأئمة أصحابه . فهؤلاء يقولون : تأويلها بما يقتضي نفيها [ تأويل ] [17] باطل ، فلا يكتفون بالتفويض ، بل يبطلون تأويلات النفاة .

                  وقد ذكر الأشعري ذلك في عامة كتبه " كالموجز " و " المقالات الكبير " و " المقالات الصغير " و " الإبانة " [18] وغير ذلك ، ولم يختلف في ذلك كلامه ، لكن طائفة ممن توافقه وممن تخالفه يحكون له قولا آخر ، أو تقول [19] : أظهر غير ما أبطن ; وكتبه تدل على بطلان هذين الظنين .

                  وأما القول الثالث - وهو القول الثابت عن أئمة السنة المحضة ، كالإمام أحمد وذويه [20] - فلا يطلقون لفظ الجسم لا نفيا ولا إثباتا لوجهين : [ ص: 225 ] أحدهما : أنه ليس مأثورا لا في كتاب ولا سنة ، ولا أثر عن أحد من الصحابة والتابعين [ لهم بإحسان ، ولا غيرهم من أئمة المسلمين ] [21] ، فصار من البدع المذمومة .

                  الثاني : أن معناه يدخل فيه حق وباطل ، فالذين أثبتوه أدخلوا فيه من النقص والتمثيل ما هو باطل ، والذين نفوه أدخلوا فيه من التعطيل والتحريف ما هو باطل .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية