الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  قوله : " وأباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة فقالوا : لو أن سارقا دخل مدارا لشخص [1] له [2] فيه دواب ورحى وطعام ، فطحن السارق طعام صاحب المدار بدوابه وأرحيته ، ملك [3] الطحين بذلك ، فلو جاء المالك ونازعه ، كان المالك ظالما والسارق مظلوما ، فلو تقاتلا فإن قتل المالك كان هدرا [4] وإن قتل السارق كان شهيدا " .

                  فيقال : أولا : هذه المسألة [5] ليست قول جمهور علماء السنة [6] . [ ص: 431 ] وإنما قالها من ينازعه فيها جمهورهم ، ويردون قوله بالأدلة الشرعية ، فهي قول بعض العلماء [7] ، ولكن الفقهاء متنازعون [8] في الغاصب إذا غير المغصوب بما أزال اسمه ، كطحن الحب الحب : [9] ، فقيل : هذا بمنزلة إتلافه فيجب للمالك [10] القيمة ، وهذا قول أبي حنيفة .

                  وقيل : بل هو باق على ملك صاحبه ، والزيادة له [11] والنقص على الغاصب ، وهو قول [12] الشافعي .

                  وقيل : بل يخير المالك بين أخذ العين والمطالبة بالنقص إن نقص [13] ، وبين المطالبة بالبدل وترك العين للغاصب ، [ وهذا هو المشهور من مذهب مالك ] [14] ، وإذا أخذ العين فقيل : يكون [15] الغاصب شريكا بما أحدثه فيه من الصنعة . وقيل : لا شيء له . وهذه الأقوال في مذهب أحمد وغيره . وحينئذ فالقول الذي أنكره خلاف قول جمهور أهل السنة .

                  ثم إنه كذب في نقله بقوله [16] : " لو تقاتلا كان المالك ظالما " ، فإن [ ص: 432 ] المالك إن كان متأولا لا يعتقد غير هذا القول ، لم يكن ظالما ، ولم تجز مقاتلته ، بل إذا تنازعا ترافعا [17] إلى من يفصل بينهما ، إذا كان اعتقاد هذا أن هذه العين ملكه ، واعتقاد الآخر أنها ملكه .

                  وأيضا فقد يفرق بين من غصب الحب ثم اتفق أنه طحنه ، وبين من قصد بطحنه تملكه [18] ، فإن معاقبة هذا بنقيض [19] قصده من باب سد الذرائع .

                  وبالجملة فهذه المسائل التي أنكرها كلها من مذهب أبي حنيفة ، ليس فيها لغيره إلا مسألة المخلوقة من ماء [20] الزنا للشافعي .

                  فيقال له : الشيعة تقول : إن مذهب أبي حنيفة أصح من بقية المذاهب الثلاثة ، ويقولون : إنه إذا اضطر الإنسان إلى استفتاء بعض المذاهب الأربعة استفتى الحنفية ، ويرجحون محمد بن الحسن على أبي يوسف ، فإنهم لنفورهم عن الحديث والسنة ينفرون عمن كان أكثر تمسكا بالحديث والسنة .

                  فإذا كان كذلك ، فهذه الشناعات في مذهب أبي حنيفة ، فإن كان قوله هو الراجح من مذاهب الأئمة الأربعة كان تكثير التشنيع عليه دون غيره تناقضا منهم ، وكانوا قد رجحوا مذهبا وفضلوه على غيره ، ثم بينوا فيه

                  [21] [ ص: 433 ] من الضعف والنقص ما يقتضي أن يكون أنقص من غيره . وما هذا التناقض بعيد منهم [22] ، فإنهم لفرط جهلهم وظلمهم يمدحون ويذمون بلا علم ولا عدل ، فإن كان مذهب أبي حنيفة هو الراجح ، كان ما ذكروه من اختصاصه بالمسائل الضعيفة التي لا يوجد مثلها [23] لغيره تناقضا ، وإن لم يكن الراجح كان ترجيحه على بقية المذاهب باطلا ، فيلزم [24] بالضرورة أن يكون [25] الشيعة على الباطل على كل تقدير . ولا ريب أنهم أصحاب جهل وهوى ، فيتكلمون في كل موضع بما يناسب أغراضهم ، سواء كان حقا أو باطلا .

                  وقصدهم في هذا المقام ذم جميع طوائف أهل السنة ، فينكرون من كل مذهب [26] ما يظنونه مذموما فيه ، سواء صدقوا في النقل أو كذبوا ، وسواء كان ما ذكروه من الذم حقا أو باطلا ، وإن كان في مذهبهم من المعايب أعظم وأكثر من معايب غيرهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية