الوجه الخامس : أنه يقال : قد ثبت - رضي الله عنه - ] لعلي [ بن أبي طالب [1] ، ، والحسن ، والحسين وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وجعفر ابن محمد من ما لم يذكره هذا [ المصنف ] المناقب والفصائل [2] الرافضي . وذكر أشياء من الكذب تدل على جهل ناقلها ، مثل قوله : نزل في حقهم : ( هل أتى ) ، فإن سورة : [3] ( هل أتى ) مكية باتفاق العلماء ، وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة ، ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر ، وولد له في السنة الثالثة الحسن [4] من الهجرة ، في [ السنة ] والحسين [5] الرابعة من الهجرة بعد نزول : ( هل أتى ) بسنين كثيرة .
فقول القائل : إنها نزلت فيهم من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بنزول القرآن وعلم بأحوال [6] هؤلاء [7] السادة الأخيار .
[ ص: 21 ] وأما آية الطهارة فليس فيها إخبار عنهم ، وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهاب الرجس عنهم . فإن قوله : ( بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) [ سورة الأحزاب : 33 ] ، كقوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ) [ سورة المائدة : 6 ] وقوله : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) [ سورة النساء ، 26 - 28 ] .
فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا [8] ، وليست هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد ، فإنه لو كان كذلك لكان قد طهر [9] كل من أراد الله طهارته . وهذا على قول هؤلاء القدرية الشيعة أوجه ، فإن عندهم أن الله يريد ما لا يكون ، ويكون ما لا يريد .
فقوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) إذا كان هذا بفعل المأمور وترك المحظور ، كان [10] ذلك متعلقا بإرادتهم وأفعالهم ، فإن فعلوا ما أمروا به طهروا وإلا فلا .
وهم يقولون : إن الله لا يخلق أفعالهم ، ولا يقدر على تطهيرهم [11] وإذهاب الرجس عنهم [12] وأما المثبتون للقدر فيقولون : إن الله قادر على ذلك [13] ، [ ص: 22 ] فإذا ألهمهم فعل ما أمر ، وترك ما حظر حصلت [14] الطهارة وذهاب الرجس .
ومما يبين أن هذا مما أمروا به لا مما أخبروا بوقوعه [15] ، ما ثبت في الصحيح علي وفاطمة [16] وحسن ، ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وحسين " . وهذا الحديث رواه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدار الكساء على في صحيحه عن مسلم ، ورواه أهل السنن عن عائشة أم سلمة [17]
وهو يدل على [ ضد ] [18] قول الرافضة من وجهين : أحدهما : أنه دعا لهم بذلك ، وهذا دليل على أن الآية لم تخبر بوقوع ذلك [19] ، فإنه لو كان قد [20] وقع [ ص: 23 ] لكان يثني على الله بوقوعه ويشكره على ذلك ، لا يقتصر على مجرد الدعاء به [21] .
الثاني : أن هذا يدل على [22] أن الله قادر على إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم ، وذلك يدل على [23] أنه خالق أفعال العباد . ومما يبين أن الآية متضمنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام : ( يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ) [ سورة الأحزاب : 30 - 34 ] .
وهذا السياق يدل على أن ذلك [24] أمر ونهي ، ويدل على أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته ، فإن السياق إنما هو في مخاطبتهن [25] ، ويدل على أن قوله : ( ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) عم غير أزواجه ، كعلي وفاطمة وحسن - رضي الله عنهم - ، لأنه وحسين [26] ذكره بصيغة [ ص: 24 ] التذكير لما اجتمع المذكر والمؤنث ، وهؤلاء خصوا بكونهم من أهل البيت من أزواجه [27] ، فلهذا خصهم بالدعاء لما أدخلهم في الكساء ، كما أن مسجد قباء أسس على التقوى ، ومسجده [ - صلى الله عليه وسلم - [28] ] أيضا أسس على التقوى [29] وهو أكمل في ذلك ، فلما نزل [30] قوله تعالى : ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) [ سورة التوبة : 108 ] بسبب مسجد قباء ، تناول اللفظ لمسجد قباء ولمسجده [ - صلى الله عليه وسلم - ] [31] بطريق الأولى [32] .
وقد تنازع العلماء : [33] من آله ؟ على قولين ، هما روايتان عن هل أزواجه ، أصحهما أنهن من آله وأهل بيته أحمد [34] ، كما دل على ذلك ما في الصحيحين [ من ] قوله : " [ اللهم ] صل [35] على [36] محمد وعلى أزواجه وذريته [37] " وهذا مبسوط في موضع آخر .
[ ص: 25 ] وأما مواليهن فليسوا من أهل بيته [38] بلا نزاع ، فلهذا كانت الصدقة تباح لبريرة . وأما أبو رافع فكان من مواليهم ، فلهذا نهاه عن الصدقة ، لأن مولى القوم منهم ، هو من التطهير الذي أراده الله بهم ، فإن الصدقة وتحريم الصدقة عليهم [39] أوساخ الناس .
وكذلك قوله في إيجاب [40] المودة [ لهم ] [41] غلط . فقد ثبت في الصحيح عن سعيد بن جبير [42] أن [ رضي الله عنهما ] ابن عباس [43] سئل عن قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) [ سورة الشورى : 23 ] ، قال : فقلت : إلا أن تودوا ذوي قربى محمد [ - صلى الله عليه وسلم - ] [44] . فقال : عجلت ، إنه ابن عباس [45] لم يكن بطن من [46] قريش إلا لرسول [ ص: 26 ] الله - صلى الله عليه وسلم - منهم [47] قرابة . فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم [48] .
كان من كبار أهل البيت وأعلمهم بتفسير القرآن ، وهذا تفسيره الثابت عنه . ويدل على ذلك أنه لم يقل إلا المودة لذوي فابن عباس [49] القربى . ولكن قال : إلا المودة في القربى [50] ألا ترى أنه لما أراد ذوي قرباه قال : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) [ سورة الأنفال : 41 ] ، ولا يقال : المودة في ذوي [51] القربى . وإنما يقال : المودة لذوي [52] القربى . فكيف ( * وقد قال : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) [53] ؟ ! .
ويبين ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل أجرا أصلا ، إنما أجره * ) [54] على الله ، وعلى المسلمين موالاة أهل البيت لكن بأدلة أخرى غير [ ص: 27 ] هذه الآية ، وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء .
وأيضا فإن هذه الآية مكية ، ولم يكن علي بعد [ قد ] [55] تزوج ولا ولد له بفاطمة [56] أولاد .
وأما آية الابتهال ففي الصحيح أنها لما نزلت أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد علي وفاطمة وحسن ليباهل بهم وحسين [57] لكن خصهم بذلك ؛ لأنهم كانوا أقرب إليه من غيرهم ، فإنه لم يكن ولد ذكر إذ ذاك يمشي معه . ولكن كان يقول عن : " الحسن إن ابني هذا سيد [58] " فهما ابناه ونساؤه [59] [ إذ ] [60] لم يكن قد [61] بقي له بنت إلا - رضي الله عنها - فاطمة [62] ، فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران ، وهم نصارى ، وذلك كان بعد فتح مكة ، بل كان سنة تسع ، وفيها نزل صدر آل عمران ، وفيها فرض [ ص: 28 ] الحج ، وهي سنة الوفود . فإن مكة لما فتحت سنة ثمان قدمت وفود العرب من كل ناحية ، فهذه الآية تدل على كمال اتصالهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما دل على ذلك حديث الكساء ، ولكن هذا لا يقتضي أن يكون الواحد منهم أفضل من سائر المؤمنين ولا أعلم منهم ، لأن الفضيلة بكمال الإيمان والتقوى لا بقرب النسب .
كما قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ سورة الحجرات : 13 ] . وقد ثبت أن ، وتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الصديق كان أتقى الأمة بالكتاب والسنة خليلا أبا بكر " لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت [63] وهذا مبسوط في موضعه .
وأما ما نقله عن علي [64] أنه كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة ، فهذا يدل على جهله بالفضيلة وجهله بالواقع . أما أولا فلأن [65] هذا ليس بفضيلة ، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يزيد في الليل على ثلاث عشرة ركعة [66] . وثبت عنه في الصحيح أنه قال [ ص: 29 ] [ - صلى الله عليه وسلم - ] [67] : " داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه " أفضل القيام قيام
[68] .
وثبت عنه أنه كان يقوم إذا سمع الصارخ [69] . وثبت عنه أنه " بلغه أن رجالا يقول أحدهم : " أما أنا فأصوم ولا أفطر . ويقول الآخر : وأما أنا فأقوم ولا أنام . ويقول الآخر : أما أنا فلا آكل اللحم ، ويقول الآخر : أما أنا فلا أتزوج النساء . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لكني أصوم [ ص: 30 ] وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل اللحم ، أتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني [70] .
وثبت عنه في الصحيح لعبد الله بن عمرو بن العاص لما بلغه أنه قال : لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت . [ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] [71] : " لا تفعل ، فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ، ونفهت له النفس . إن لربك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا ، ولزورك عليك حقا ، ولزوجك عليك حقا ، فآت كل ذي حق حقه " أنه قال [72] .
فالمداومة على قيام جميع الليل [73] ليس بمستحب ، بل هو مكروه بسنة [74] النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه . وهكذا مداومة صيام النهار ، فإن أفضل الصيام [ صيام داود - عليه السلام - ] [75] : صيام يوم وفطر يوم .
[ ص: 31 ] وأيضا فالذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي في اليوم والليلة نحو أربعين ركعة ، رضى الله عنه أعلم بسنته ، وأتبع لهديه من أن وعلي [76] يخالفه [77] هذه المخالفة لو كان ذلك ممكنا ، فكيف وصلاة ألف ركعة في اليوم والليلة ، مع القيام بسائر الواجبات غير ممكن ، فإنه لا بد له [78] من أكل ونوم ، وقضاء حق أهل [79] ، وقضاء حقوق الرعية ، وغير ذلك من الأمور التي تستوعب من [80] الزمان إما النصف أو أقل أو أكثر . والساعة الواحدة لا تتسع لثمانين [81] ركعة ، وما يقارب ذلك ، إلا أن يكون نقرا كنقر الغراب ، أجل من أن وعلي [82] يصلي ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " صلاة المنافقين [83] : يرقب [84] الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " تلك صلاة ، تلك صلاة ، تلك صلاة المنافق [85] . وقد [ ص: 32 ] نهى عن نقر كنقر الغراب [86] ، فنقل مثل هذا عن علي يدل على جهل ناقله [87] ، ثم إن [88] إحياء الليل بالتهجد وقراءة القرآن في ركعة هو ثابت عن - رضي الله عنه - ، فتهجده وتلاوته القرآن أظهر من غيره . عثمان
وأيضا فقوله : إن علي بن أبي طالب [89] كان أفضل الخلق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوى مجردة ، ينازعه فيها [90] جمهور المسلمين من الأولين والآخرين .
وقوله : جعله الله نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [91] حيث قال : ( وأنفسنا وأنفسكم ) [ سورة آل عمران : 61 ] وواخاه [92] .
فيقال : أما حديث المؤاخاة فباطل موضوع [93] ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخ أحدا ، ولا آخى بين المهاجرين بعضهم مع [94] بعض ، ولا بين [ ص: 33 ] الأنصار بعضهم مع [95] بعض ، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار ، كما آخى بين سعد بن الربيع ، وآخى بين وعبد الرحمن بن عوف سلمان الفارسي ، كما ثبت ذلك في الصحيح وأبي الدرداء [96] وأما قوله : ( وأنفسنا وأنفسكم ) فهذا مثل قوله : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) [ سورة النور : 12 ] نزلت في قصة [ - رضي الله عنها - في ] عائشة [97] الإفك [98] فإن الواحد من المؤمنين من أنفس [99] المؤمنين والمؤمنات .
وكذلك قوله تعالى : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) [ سورة [ ص: 34 ] البقرة : 54 ] : أي يقتل بعضكم بعضا [100] . ومنه قوله تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) [ سورة البقرة : 84 ] أي لا يخرج بعضكم بعضا [101] فالمراد بالأنفس الإخوان : إما في النسب وإما في الدين [102] .
وقد : " أنت مني وأنا منك لعلي " قال النبي صلى الله عليه وسلم [103]
[ ص: 35 ] وقال للأشعريين : " إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو نفدت نفقة عيالهم [104] بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسوية ، هم مني وأنا منهم " وهذا في الصحيح [105] ، والأول أيضا في الصحيح .
وفي الصحيح [ أيضا ] [106] أنه لجليبيب [107] : " هذا مني وأنا منه [ هذا مني وأنا منه ] قال [108] " ، [109] وهذا مبسوط في موضعه .
[ ص: 36 ] وأما تزويجه ففضيلة فاطمة ، كما أن تزويجه لعلي بابنتيه عثمان [110] فضيلة أيضا ، ولذلك سمي لعثمان . وكذلك تزوجه بنت ذا النورين ، وبنت أبي بكر فضيلة لهما . عمر - ورضي الله عنهم . فالخلفاء الأربعة أصهاره - صلى الله عليه وسلم