الوجه [1] الثامن : أن يقال : هب أن لفظ الآية عام ، فإنه خص منها الولد الكافر والعبد والقاتل بأدلة هي أضعف من الدليل الذي دل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ؛ فإن الصحابة الذين نقلوا عنه أنه لا يورث أكثر وأجل من الذين نقلوا عنه [2] أن المسلم لا يرث الكافر ، وأنه ليس لقاتل ميراث ، وأن من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه [3] المبتاع .
وفي الجملة فإذا كانت الآية مخصوصة بنص أو إجماع ، كان تخصيصها بنص آخر جائزا باتفاق علماء المسلمين . بل قد [4] ذهب طائفة إلى أن العام المخصوص يبقى مجملا . وقد تنازع العلماء في تخصيص [5] عموم القرآن [ ص: 219 ] إذا لم يكن مخصوصا [ بخبر الواحد ] [6] ، فأما ، لا سيما الخبر المتلقى بالقبول ؛ فإنهم متفقون على تخصيص عموم القرآن به . العام المخصوص فيجوز تخصيصه بخبر الواحد عن عوامهم
وهذا الخبر تلقته الصحابة بالقبول ، وأجمعوا على العمل به ، كما سنذكره [ إن شاء الله تعالى ] [7] .
والتخصيص بالنص المستفيض والإجماع متفق عليه . ومن سلك هذا المسلك يقول : ظاهر الآية العموم [8] ، لكنه عموم مخصوص . ومن سلك المسلك الأول لم يسلم ظهور العموم إلا فيمن علم أن هؤلاء يرثونه ، ولا يقال [9] : إن ظاهرها متروك ، بل نقول [10] : لم يقصد بها إلا بيان [11] نصيب الوارث ، لا بيان الحال التي يثبت فيها الإرث [12] ، فالآية عامة في الأولاد والموتى ، مطلقة في [ الموروثين . وأما ] [13] شروط الإرث فلم تتعرض له الآية ، بل هي مطلقة فيه [14] : لا تدل عليه بنفي ولا إثبات .
كما في قوله [15] تعالى : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ سورة التوبة : 5 ] [ ص: 220 ] عام في الأشخاص ، مطلق في المكان والأحوال . فالخطاب المقيد لهذا المطلق يكون خطابا مبتدأ مبينا لحكم شرعي لم يتقدم ما ينافيه [16] ، لا يكون [17] رافعا لظاهر خطاب شرعي ، فلا يكون مخالفا للأصل .