فصل
قال الرافضي [1] : " قالت الإمامية إذا رأينا المخالف لنا يورد مثل [2] هذه ، ونقلنا نحن أضعافها عن رجالنا الثقات ، وجب علينا المصير إليها ، وحرم العدول عنها " . الأحاديث
والجواب أن يقال : لا ريب أن رجالكم الذين وثقتموهم غايتهم أن يكونوا من جنس من يروي هذه الأحاديث من الجمهور ، فإذا كان أهل العلم [ ص: 412 ] يعلمون بالاضطرار أن هؤلاء كذابون ، وأنتم أكذب منهم وأجهل ، حرم عليكم العمل بها ، والقضاء بموجبها ، والاعتراض على هذا الكلام من وجوه :
أحدها : أن يقال لهؤلاء الشيعة : من أين لكم أن الذين نقلوا هذه الأحاديث في الزمان القديم ثقات ، وأنتم لم تدركوهم ولم تعلموا أحوالهم ، ولا لكم كتب مصنفة تعتمدون عليها في أخبارهم التي يميز بها بين الثقة وغيره ، ولا لكم أسانيد تعرفون رجالها ، بل علمكم بكثير مما في أيديكم شر من علم كثير من اليهود والنصارى بما في أيديهم ، بل أولئك معهم كتب وضعها لهم هلال وشماس [3] . . . ، وليس عند جمهورهم ما يعارضها .
وأما أنتم فجمهور المسلمين دائما يقدحون في روايتكم ، ويبينون [4] كذبكم ، وأنتم ليس لكم علم بحالهم ، ثم قد [5] كثرة الكذب ، وظهوره في الشيعة من زمن وإلى اليوم علي ، وأنتم تعلمون أن أهل الحديث يبغضون علم بالتواتر الذي لا يمكن حجبه الخوارج ويروون فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة صحيحة ، وقد روى [ ص: 413 ] بعضها ، وروى البخاري عشرة منها ، وأهل الحديث متدينون بما صح عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا فلم يحملهم مسلم [6] بغضهم للخوارج [7] على الكذب عليهم ، بل جربوهم فوجدوهم صادقين ، وأنتم يشهد عليكم أهل الحديث ، والفقهاء ، والمسلمون ، والتجار ، والعامة ، والجند ، وكل من عاشركم وجربكم قديما وحديثا أن طائفتكم أكذب الطوائف ، وإذا وجد فيها صادق فالصادق في غيرها أكثر ، وإذا وجد في غيرها كاذب فالكاذب فيها أكثر .
ولا يخفى هذا على عاقل منصف ، وأما من اتبع هواه فقد أعمى الله قلبه ، ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا .
وهذا الذي ذكرناه معروف عند أهل العلم قديما وحديثا ، كما قد ذكرنا بعض أقوالهم حتى قال الإمام : الدين لأهل الحديث ، والكذب عبد الله بن المبارك للرافضة ، والكلام للمعتزلة ، والحيل لأهل الرأي أصحاب فلان ، وسوء التدبير لآل أبي فلان ، وهو كما قال ، فإن الدين هو ما بعث الله بهمحمدا صلى الله عليه وسلم ، وأعلم الناس ( به ) [8] أعلمهم بحديثه وسنته ، وأما الكلام فأشهر الطوائف به هم المعتزلة ، ولهذا كانوا أشهر الطوائف بالبدع عند الخاصة .
وأما الرافضة فهم المعروفون بالبدعة [9] عند [10] الخاصة والعامة حتى أن أكثر العامة لا تعرف في مقابلة الشيء إلا الرافضي [11] . [12] " لظهور [ ص: 414 ] مناقضتهم لما جاء به الرسول عليه السلام عند الخاصة والعامة [13] . ( 1 ) [14] فهم عين على ما جاء به حتى الطوائف الذين ليس لهم من الخبرة بدين الرسول ما لغيرهم إذا قالت لهم الرافضة : " نحن مسلمون " يقولون : أنتم جنس آخر .
ولهذا الرافضة يوالون أعداء الدين الذين يعرف كل أحد معاداتهم من اليهود ، والنصارى والمشركين : مشركي الترك ، ويعادون أولياء الله الذين هم خيار أهل الدين ، وسادات المتقين ، وهم الذين أقاموه وبلغوه ونصروه .
ولهذا كان الرافضة من أعظم الأسباب في دخول الترك الكفار إلى بلاد الإسلام .
وأما قصة الوزير ابن العلقمي وغيره ، كالنصير الطوسي مع الكفار ، وممالأتهم على المسلمين - فقد عرفها الخاصة والعامة .
وكذلك من كان منهم بالشام : ظاهروا المشركين على المسلمين ، وعاونوهم معاونة عرفها الناس .
وكذلك لما انكسر عسكر المسلمين ، لما قدم غازان ، ظاهروا الكفار النصارى ، وغيرهم من أعداء المسلمين ، وباعوهم أولاد المسلمين - بيع العبيد - وأموالهم ، وحاربوا المسلمين محاربة ظاهرة ، وحمل بعضهم راية الصليب .
وهم كانوا من أعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه المسلمون منهم .
[ ص: 415 ] وقد دخل فيهم أعظم الناس نفاقا من النصيرية ، والإسماعيلية ونحوهم ، ممن هو أعظم كفرا في الباطن ، ومعاداة لله ورسوله ، من اليهود والنصارى .
فهذه الأمور وأمثالها مما هي ظاهرة مشهورة يعرفها الخاصة والعامة توجب ظهور مباينتهم للمسلمين ومفارقتهم للدين ، ودخولهم في زمرة الكفار والمنافقين حتى يعدهم من رأى أحوالهم جنسا آخر غير جنس المسلمين ، فإن المسلمين الذين يقيمون دين الإسلام في الشرق والغرب قديما وحديثا هم الجمهور ، والرافضة ليس لهم سعي إلا في هدم الإسلام ، ونقض عراه ، وإفساد قواعده ، والقدر الذي عندهم من الإسلام إنما قام بسبب قيام الجمهور به .
ولهذا قراءة القرآن فيهم قليلة ، ومن يحفظه حفظا جيدا ، فإنما تعلمه من أهل السنة ، وكذلك الحديث إنما يعرفه [15] ويصدق فيه ، ويؤخذ عن أهل السنة ، وكذلك الفقه ، والعبادة ، والزهد ، والجهاد ، والقتال إنما هو لعساكر أهل السنة ، وهم الذين حفظ الله بهم الدين علما وعملا ، بعلمائهم ، وعبادهم ، ومقاتليهم
[16] والرافضة من أجهل الناس بدين الإسلام ، وليس للإنسان منهم شيء يختص به [17] إلا ما يسر عدو الإسلام ، ويسوء وليه فأيامهم في الإسلام [ ص: 416 ] كلها سود ، وأعرف الناس بعيوبهم وممادحهم [18] أهل السنة لا تزال تطلع منهم على أمور غيرها عرفتها [19] ، كما قال تعالى في اليهود : ( ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم ) ( سورة المائدة : 13 ) .
ولو ذكرت بعض ما عرفته منهم بالمباشرة ونقل الثقات ، وما رأيته في كتبهم - لاحتاج ذلك إلى كتاب كبير .
وهم الغاية في الجهل وقلة العقل ، يبغضون من الأمور ما لا فائدة لهم في بغضه ، ويفعلون من الأمور ما لا منفعة لهم فيه إذا قدر أنهم على حق ، مثل نتف النعجة ، حتى كأن لهم عليها ثأرا كأنهم ينتفون ، وشق جوف الكبش عائشة [20] " كأنهم يشقون جوف ، فهل فعل هذا أحد من طوائف المسلمين بعدوه غيرهم ؟ ! عمر
ولو كان مثل هذا مشروعا لكان بأبي جهل وأمثاله أولى .
[21] ومثل كراهتهم للفظ العشرة لبغضهم للرجال العشرة .
وقد ذكر الله لفظ العشرة في غير موضع من القرآن ، كقوله: ( والفجر وليال عشر ) ( سورة الفجر : 1 ، 2 ) ، وقوله: ( وأتممناها بعشر ) ( سورة الأعراف : 142 ) ، ( تلك عشرة كاملة ) ( سورة البقرة : 196 ) .
[ ص: 417 ] وأما التسعة فذكرها في معرض الذم ، كقوله : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) ( سورة النمل : 48 ) ، فهل كره المسلمون التكلم بلفظ التسعة : [22] لأجل أولئك التسعة ، وهم يختارون التكلم بلفظ التسعة : [23] على لفظ العشرة ؟ !
وكذلك كراهيتهم لأسام سمي بها من يبغضونه ، وقد كان من الصحابة من تسمى بأسماء تسمى بها عدو الإسلام مثل الوليد الذي هو الوحيد ، وكان ابنه من خيار المسلمين ، واسمه الوليد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت له في الصلاة ، ويقول : " الوليد بن الوليد " كما رواه أهل الصحيحين اللهم نج
[24] ومثل أبي بن خلف الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي المسلمين أبي بن كعب [25] وغيره ، ومثل عمرو بن ود ( العامري ) [26] ، وفي الصحابة عمرو بن أمية ، ، ومثل هذا كثير . وعمرو بن العاص
ولم يغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم رجل من الصحابة لكون كافر سمي به .
فلو قدر كفر من يبغضونه لكان كراهتهم لمثل أسمائهم في غاية الجهل مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم بها .
ويقال لهم : كل من جرب من أهل العلم والدين الجمهور علم أنهم [ ص: 418 ] لا يرضون بالكذب ولو وافق أغراضهم ، فكم [27] يروون لهم في فضائل الخلفاء الثلاثة وغيرها أحاديث بأسانيد خير من أسانيد الشيعة ، ويرويها مثل أبي نعيم ، ، والثعلبي وأبي بكر النقاش ، والأهوازي ، وابن عساكر ، وأمثال هؤلاء ، ولا يقبل علماء الحديث منها شيئا ! بل إذا كان الراوي عندهم مجهولا توقفوا في روايته ، وأما أنتم معاشر الرافضة فقد رأيناكم تقبلون كل ما يوافق [28] رأيكم وأهواءكم ، لا تردون غثا ولا سمينا .
ويقال لكم : إذا كان عند الجمهور من الأحاديث الصحيحة المعروفة عند من يعلم المسلمون كلهم صدقه وعلمه ، وأنتم ممن يعلم ذلك ، أحاديث متلقاة بالقبول ، بل متواترة توجب العلم الضروري الذي لا يمكن دفعه عن القلب ، تناقض هذه الأدلة التي رواها طائفة مجهولة ، أو معروفة بالكذب منكم ومن الجمهور ، فهل يمكن أن يدفع [29] الناس ما علموه بالضرورة ، وما علموه مستفيضا [30] بنقل الثقات الأثبات الذين يعرف صدقهم وضبطهم ، هل يمكن دفع هذا بمثل هذه الروايات المسيبة التي لا زمام لها ولا خطام ؟ !
ولو روى رجل أن الصلوات [31] كانت أكثر من خمس ، وأن الصوم الواجب شهران ، وأن على المسلمين حج بيت آخر ، هل كان الطريق إلى تكذيب هذا إلا من جنس الطريق إلى تكذيبهم ؟ !
وقد نبهنا في هذا الرد على طرق مما به يعلم كذب ما يعتمدون عليه [ ص: 419 ] غير طرق أهل الحديث ، وبينا كذبهم : تارة بالعقل ، وتارة بما علم بالقرآن ، وتارة بما علم بالتواتر ، وتارة بما أجمع الناس كلهم عليه .
ومن المعلوم أن الأخبار المخالفة للقرآن والتواتر والإجماع ، والمخالفة للعقل يعلم بطلانها ، وهذا من [32] جملة الطرق التي يعلم بها طرق ما يناقضون به مذهب أهل السنة من الأخبار ، وهم لا يعتمدون في أدلتهم إلا على أحد ثلاثة أشياء : إما نقل كاذب ، وإما دلالة مجملة مشبهة [33] ، وإما قياس فاسد ، وهذا حال كل من احتج بحجة فاسدة نسبها إلى الشريعة ، فإن عمدته إما نص ، وإما قياس ، والنص يحتاج إلى صحة الإسناد ، ودلالة المتن ، فلا بد أن يكون النص ثابتا عن الرسول ، ولا بد أن يكون دالا [34] على المطلوب .
والحجج الباطلة السمعية إما نقل كاذب ، وإما نقل صحيح لا يدل ، وإما قياس فاسد ، وليس للرافضة وغيرهم من أهل الباطل حجة سمعية إلا من هذا الجنس ، وقولنا : " نقل " يدخل فيه كلام الله ورسوله ، وكلام أهل الإجماع عند من يحتج به ، فإن الرافضة لا تحتج بالإجماع . والأفعال والإقرار والإمساك يجري مجرى ذلك .