[ ص: 273 ] وأما قول الرافضي : " ، فكيف يطلب منهم التكميل ؟ " ومن شأن الإمام تكميل الرعية
عنه أجوبة : أحدها : أنا [1] لا نسلم أن الإمام يكملهم وهم لا يكملونه أيضا [2] ، بل الإمام والرعية يتعاونون على البر والتقوى ، لا على الإثم والعدوان ، بمنزلة أمير الجيش والقافلة والصلاة والحج ، والدين قد عرف بالرسول ، فلم يبق عند الإمام دين ينفرد به ، ولكن لا بد من الاجتهاد في الجزئيات ، فإن كان الحق فيها بينا أمر به ، وإن كان متبينا للإمام دونهم بينه لهم ، وكان عليهم أن يطيعوه ، وإن كان مشتبها عليهم اشتوروا فيه حتى يتبين لهم ، وإن تبين لأحد من الرعية دون الإمام بينه له ، . وإن اختلف الاجتهاد ، فالإمام هو المتبع في اجتهاده ، إذ لا بد من الترجيح ، والعكس ممتنع
وهذا كما تقوله الرافضة الإمامية في نواب المعصوم ; فإنه وإن تبين لهم الكليات فلا بد في تبيين الجزئيات من الاجتهاد ، وحينئذ فكل إمام هو نائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ريب في عصمته ، ونوابه أحق بالاتباع من نواب غيره ، والمراد بكونهم نوابه أن عليهم أن يقوموا بما قام به ، ليس المراد استخلافهم ، فإن طاعة الرسول واجبة على كل متول ، سواء ولاه [3] الرسول أو غيره ، وطاعته بعد موته كطاعته في [ ص: 274 ] حياته ، ولو ولى هو رجلا لوجب عليه وعلى غيره ما يجب على غيره من الولاة .
الوجه الثاني : أن كلا من المخلوقين قد استكمل بالآخر ، كالمتناظرين في العلم ، والمتشاورين في الرأي ، والمتعاونين المتشاركين في مصلحة دينهما ودنياهما . وإنما يمتنع هذا في الخالق سبحانه ; لأنه لا بد أن يكون للممكنات المحدثات فاعل مستغن بنفسه ، غير محتاج إلى أحد ; لئلا يفضي إلى الدور في المؤثرات والتسلسل فيها ، وأما المخلوقان فكلاهما يستفيد حوله وقوته من الله تعالى ، لا من نفسه ولا من الآخر ، فلا دور في ذلك .
الوجه الثالث : أنه ما زال المتعلمون ينبهون معلمهم على أشياء ، ويستفيدها المعلم منهم ، مع أن عامة ما عند المتعلم من الأصول تلقاها من معلمه . وكذلك في الصناع وغيرهم .
الوجه الرابع : أن موسى - صلى الله عليه وسلم - قد استفاد من الخضر ثلاث مسائل ، وهو أفضل منه . وقد قال الهدهد لسليمان : ( أحطت بما لم تحط به ) [ سورة النمل : 22 ] وليس الهدهد قريبا من سليمان .
ونبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يشاور أصحابه ، وكان أحيانا يرجع إليهم في الرأي . كما [4] قال له الحباب يوم بدر : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل : أهو منزل أنزلكه الله تعالى فليس لنا أن نتعداه ، أم هو الحرب [ ص: 275 ] والرأي والمكيدة ؟ فقال : " بل [5] هو الحرب والرأي والمكيدة " فقال : ليس هذا بمنزل قتال . [ قال : ] [6] فرجع إلى رأي الحباب [7] .
وكذلك يوم الخندق ، كان قد رأى أن يصالح غطفان على نصف تمر المدينة ، وينصرف عن القتال . فجاءه سعد [8] فقال : يا رسول الله ، إن كان الله أمرك بهذا فسمعا وطاعة ، أو كما قال ، وإن كنت أنت إنما فعلت هذا لمصلحتنا ، فلقد كانوا في الجاهلية وما ينالون منها تمرة [9] إلا بشراء أو كراء ، فلما أعزنا الله بالإسلام نعطيهم تمرنا [10] ، ما نعطيهم إلا السيف ، أو كما قال . فقبل منه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك [11] .
أشار عليه لما أذن لهم في غزوة وعمر تبوك في نحر الركاب أن يجمع أزوادهم ويدعو فيها بالبركة ، فقبل منه [12] .
وأشار عليه بأن يرد لما أرسله بنعليه يبشر من لقيه وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله بالجنة ، لما خاف أن يتكلوا ، فقبل منه أبا هريرة [13] .
[ ص: 276 ] لم يكن يرجع إليهم فيما ليس فيه وأبو بكر [14] نص من الله ورسوله ، بل كان إذا تبين له ذلك لم يبال بمن خالفه . ألا ترى أنه لما نازعه [ ] عمر [15] في قتال أهل الردة لأجل الخوف على المسلمين ، ونازعوه في قتال مانعي الزكاة ، ونازعوه في إرسال جيش - لم يرجع إليهم ، بل بين لهم دلالة النص على ما فعله . أسامة
وأما في الأمور الجزئية التي لا يجب أن تكون منصوصة ، بل يقصد بها المصلحة ، فهذه ليس هو فيها بأعظم من الأنبياء .
الخامس : أن هذا الكلام من ما زاده عند الأمة إلا شرفا وتعظيما ، ولم تعظم الأمة أحدا بعد نبيها كما عظمت أبي بكر ، ولا أطاعت أحدا كما أطاعته ، من غير رغبة أعطاهم إياها ، ولا رهبة أخافهم بها ، بل الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة بايعوه طوعا ، مقرين بفضيلته واستحقاقه . ثم مع هذا لم نعلم أنهم اختلفوا في عهده في مسألة واحدة في دينهم [ إلا ] الصديق [16] وأزال الاختلاف ببيانه لهم ، ومراجعتهم له . وهذا أمر لا يشركه فيه غيره .
وكان أقرب إليه في ذلك ، ثم عمر . عثمان
وأما فقاتلهم وقاتلوه علي [17] ، فلا قومهم ولا قوموه ، فأي الإمامين حصل به مقصود الإمامة أكثر ؟ وأي الإمامين أقام الدين ورد المرتدين ، [ ص: 277 ] وقاتل الكافرين ، واتفقت عليه الكلمة : [18] كلمة المؤمنين ؟ هل يشبه هذا بهذا إلا من هو في غاية النقص من العقل والدين ؟ !