الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " الثالث : قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحكام إلى علي [2] " .

                  [ ص: 279 ] والجواب : أن هذا من أعظم البهتان . أما أبو بكر : فما عرف أنه استفاد من علي شيئا أصلا . وعلي قد روى عنه واحتذى حذوه واقتدى بسيرته . وأما عمر : فقد ( * استفاد علي منه أكثر مما استفاد عمر منه . وأما عثمان : فقد كان أقل علما من أبي بكر وعمر ، ومع هذا فما كان * ) [3] يحتاج إلى علي ، حتى أن بعض الناس شكا إلى علي بعض سعاة عمال عثمان ، فأرسل إليه بكتاب الصدقة ، فقال عثمان [4] : لا حاجة لنا به .

                  وصدق عثمان ، وهذه فرائض الصدقة ونصبها التي لا تعلم إلا بالتوقيف [5] فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي من أربع طرق : أصحها عند علماء المسلمين كتاب أبي بكر ( * الذي كتبه لأنس بن مالك ، وهذا هو الذي رواه البخاري [6] ، وعمل به أكثر الأئمة . وبعده كتاب * ) [7] عمر [8] .

                  وأما الكتاب المنقول عن علي ففيه أشياء لم يأخذ بها أحد من [ ص: 280 ] العلماء ، مثل قوله : " في خمس وعشرين خمس [9] شاة " ; فإن هذا خلاف النصوص المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم ; ولهذا كان ما روي عن علي : إما منسوخ ، وإما خطأ في النقل .

                  والرابع : كتاب عمرو بن حزم ، كان قد كتبه لما بعثه إلى نجران . وكتاب أبي بكر هو آخر الكتب ، فكيف يقول عاقل : إنهم كانوا يلجئون إليه في أكثر الأحكام ، وقضاته لم يكونوا يلتجئون إليه ، بل كان شريح [ القاضي ] [10] وعبيدة السلماني ونحوهما من القضاة الذين كانوا في زمن علي يقضون بما تعلموه [11] من [ غير ] [12] علي ، وكان شريح قد تعلم من معاذ بن جبل وغيره من الصحابة ، وعبيدة تعلم من عمر وغيره ، وكانوا لا يشاورونه في عامة ما يقضون به ; استغناء بما عندهم من العلم ، فكيف يقال : إن عمر وعثمان كانا يلتجئان إليه في أكثر الأحكام .

                  وقد قال علي : كان رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ، والآن قد رأيت أن يبعن . فقال له عبيدة السلماني : رأيك مع عمر في الجماعة [13] أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة .

                  [ ص: 281 ] فهذا قاضيه لا يرجع إلى رأيه في هذه المسألة [14] ، مع أن أكثر الناس إنما منع بيعها تقليدا لعمر ، ليس فيها نص صريح صحيح . فإذا كانوا لا يلتجئون إليه في هذه المسألة ، فكيف يلتجئون إليه في غيرها ، وفيها من النصوص ما يشفي ويكفي ؟ !

                  وإنما كان يقضي ولا يشاور عليا ، وربما قضى بقضية أنكرها علي لمخالفتها قول جمهور الصحابة ، كابني عم [15] وأخوين [16] أحدهما أخ لأم قضى له بالمال ، فأنكر ذلك علي ، وقال : بل يعطى السدس ، ويشتركان [17] في الباقي . وهذا قول سائر الصحابة : زيد وغيره ، فلم يكن الناس مقلدين في ذلك أحدا .

                  وقول علي في الجد لم يقل به أحد من العلماء ، إلا ابن أبي ليلى . وأما قول ابن مسعود فقال به أصحابه ، وهم أهل الكوفة ، وقول زيد قال به خلق كثير ، وأما قول الصديق فقال به جمهور الصحابة .

                  وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي كتابا كبيرا فيما لم يأخذ به المسلمون من قول علي ; لكون قول غيره من الصحابة أتبع للكتاب والسنة ، وكان المرجوح من قوله أكثر من المرجوح من قول أبي بكر وعمر وعثمان ، والراجح من أقاويلهم أكثر ، فكيف أنهم كانوا يلتجئون إليه في أكثر الأحكام ؟ !

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية