الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل )

                  قال الرافضي [1] : " الثاني عشر : قول عمر : إن محمدا لم يمت ، وهذا يدل [2] على قلة علمه ، وأمر برجم حامل ، فنهاه علي ، فقال : لولا علي لهلك عمر . وغير ذلك من الأحكام التي غلط فيها وتلون فيها " .

                  [ ص: 301 ] والجواب أن يقال أولا : ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " قد كان قبلكم في الأمم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر " [3] ومثل هذا لم يقله لعلي .

                  وأنه قال : " رأيت أني أتيت بقدح فيه لبن ، فشربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري ، ثم ناولت فضلي عمر " قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : العلم [4] .

                  فعمر كان أعلم الصحابة بعد أبي بكر .

                  وأما كونه ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت ، فهذا كان ساعة ، ثم تبين له موته ، ومثل هذا يقع كثيرا قد يشك الإنسان في موت ميت ساعة وأكثر ، ثم يتبين له موته ، وعلي قد تبين له أمور بخلاف ما كان يعتقده فيها أضعاف ذلك ، بل ظن كثيرا من الأحكام على خلاف ما هي عليه ، ومات على ذلك ، ولم يقدح ذلك في إمامته كفتياه في المفوضة التي ماتت ولم يفرض لها ، وأمثال ذلك مما هو معروف عند أهل العلم .

                  وأما الحامل ، فإن كان [5] لم يعلم أنها حامل فهو من هذا الباب ، فإنه قد يكون أمر برجمها ولم يعلم أنها حامل ، فأخبره علي أنها حامل ، فقال : لولا أن عليا أخبرني بها لرجمتها ، فقتلت الجنين ، فهذا هو الذي خاف منه .

                  [ ص: 302 ] وإن قدر أنه كان يظن جواز رجم الحامل ، فهذا مما قد يخفى ، فإن الشرع قد جاء في موضع بقتل الصبي والحامل تبعا كما إذا حوصر الكفار ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق ، وقد يقتل النساء والصبيان .

                  وفي الصحيح أنه سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وصبيانهم ، فقال : " هم منهم " [6] .

                  وقد ثبت عنه أنه نهى عن قتل النساء [7] والصبيان .

                  وقد اشتبه هذا على طائفة من أهل العلم ، فمنعوا من البيات خوفا من قتل النساء والصبيان .

                  فكذلك قد يشتبه على من ظن جواز ذلك ، ويقول : إن الرجم حد واجب على الفور فلا يجوز تأخيره .

                  لكن السنة فرقت بين ما يمكن تأخيره كالحد وبين ما يحتاج إليه كالبيات والحصار .

                  وعمر رضي الله عنه كان يراجعه آحاد الناس حتى في مسألة الصداق قالت امرأة له : أمنك نسمع أم من كتاب الله ؟ فقال : بل [8] من كتاب الله فقالت إن الله يقول : ( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) [ ص: 303 ] [ سورة النساء : 20 ] فقال : امرأة أصابت ورجل أخطأ [9] .

                  وكذلك كان يرجع إلى عثمان وغيره وهو أعلم من هؤلاء كلهم .

                  وصاحب العلم العظيم إذا رجع إلى من هو دونه في بعض الأمور ، لم [10] يقدح هذا في كونه أعلم منه ، فقد تعلم موسى من الخضر ثلاث مسائل ، وتعلم سليمان من الهدهد خبر بلقيس .

                  وكان الصحابة فيهم من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور [11] ، وكان عمر أكثر الصحابة مراجعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن بموافقته في مواضع : كالحجاب ، وأسارى بدر ، واتخاذ مقام إبراهيم مصلى ، وقوله : ( عسى ربه إن طلقكن ) ، وغير ذلك .

                  وهذه الموافقة والمراجعة لم تكن لا [12] لعثمان ولا لعلي .

                  وفي الترمذي : " لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر " [13] ، " ولو كان بعدي نبي لكان عمر " [14] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية