الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              باب: قفر .

                              حدثنا يحيى، حدثنا عبيد الله بن إياد، عن أبيه، عن البراء، قال رسول الله صلى الله عليه: "كيف تقولون برجل انفلتت منه راحلته بأرض قفر، ليس بها طعام ولا شراب، فطلبها حتى شقت عليه، ثم مرت بشجرة، فتعلق زمامها بالشجرة، فوجدها؟" فقلنا: شديد، فقال: "لله أشد فرحا بتوبة عبده من الرجل براحلته"   .

                              حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن داود، عن الشعبي، أن عدي بن حاتم، سأل النبي صلى الله عليه، فقال: أحدنا يرمي الصيد، فيقتفر أثره قوله: "بأرض قفر"  أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي " القفر: الأرض الفلاة التي لا ماء بها خالية، وأقفر من أهله إذا تفرد عنهم قال عبيد بن الأبرص:

                              [ ص: 370 ]

                              أقفر من أهله ملحوب فالقطبيات فالذنوب



                              وقال أيضا:


                              أقفر من أهله عبيد     فاليوم لا يبدي ولا يعيد



                              وأقفر بدنه من اللحم، إذا قل عليه، وامرأة قفرة اللحم، عن أبي نصر، وأنشدنا:


                              أمر منها قصبا خدلجا     لا قفرا غسا ولا مهيجا



                              أمر منها: فتل منها، قصبا: كل عظم ممخ وخدلج: حسن ممتلئ وقفر: لا لحم عليه والغس: الدقيق الصغير والمهيج: المورم أخبرنا أبو نصر الرجل القفر: الذي ينزل القفر وقال الخليل: رجل قفر الرأس: لا شعر عليه،  وأنشدنا:


                              تفلي له الريح وإن لم يقمل     لمة قفر كشعاع السنبل



                              [ ص: 371 ] قال إبراهيم: شعاع السنبل: أطرافه، وليس هذا حجة للخليل؛ لأنه وصف راعيا، فقال: تفلي له الريح: تطير لمته، والرجل رجل قفر: ينزل القفر، ولو كان كما قال الخليل: لا شعر عليه لم يكن له لمة لها شعاع، كشعاع السنبل: أطرافه والقفار: الطعام الذي لا أدم فيه يقال: ما أقفر بيت فيه خل، وقال أبو نصر: القفور: الكافور،  وأنشدنا:


                              مثواة عطارين بالعطور     أهضامها والمسك بالقفور



                              قوله: "مثواة عطارين"،  وصف كناس الثور فقال: ريحه مما فيه من الشجر كريح العطر والأهضام: ضرب من البخور، وخفضه: رده على العطور، والقفور: الكافور قوله: "فيقتفر أثره"  يقول: فيتبع أثره، قال ابن أحمر:


                              وإنما العيش بربانه     وأنت من أفنانه مقتفر بربانه



                              يعني حينه ووقته، ومقتفر يقتفر الأثر: يتبعه .

                              [ ص: 372 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية