[ ص: 406 ] قالوا : أشعيا أيضا : إن غلاما ولد لنا ، وابنا أعطيناه ، الذي رياسته على عاتقيه وبين منكبيه ، ويدعى : اسمه ملكا ، عظيم المشية مسيرا عجيبا ، إلها قويا مسلطا رئيس السلامة في كل الدهور ، وسلطانه كامل ليس له فناء . وقال
فيقال : ليس في هذه البشارة دلالة بينة أن المراد به المسيح عليه السلام ، ولو كان المراد به المسيح لم يدل على مطلوبهم ، بل قد يقال المراد بها محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الذي رياسته على عاتقيه ، وبين منكبيه من جهتين :
من جهة خاتم النبوة على بعض كتفيه ، وهو علامة من أعلام النبوة الذي أخبرت به الأنبياء ، وعلامة ختمهم .
[ ص: 407 ] ومن جهة أنه بعث بالسيف الذي يتقلد به على عاتقه ويرفعه ، إذا ضرب به على عاتقه ، ويدل على ذلك قوله : ( مسلط رئيس قوي السلامة ) .
وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم المؤيد المنصور المسلط رئيس السلامة ، فإن دينه الإسلام ، ومن اتبعه سلم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، ومن استيلاء عدوه عليه .
والمسيح عليه السلام لم يسلط على أعدائه ، كما سلط محمد صلى الله عليه وسلم ، بل كان أعداؤه بحيث يقدرون على صلبه ، وعند النصارى قد صلبوه ، وعند المسلمين ألقى الله شبهه على غيره ، فصلب ذاك المشبه ، فبهذه الطريق دفع الله الصلب عنه لا بقهر أعدائه ، وإهلاكهم وذلهم له ، كما نصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم على أعدائه .
وقال : ( في كل الدهور سلطانه كامل ليس له فناء ) ، وهذا صفة خاتم الرسل الذي لا يأتي بعده نبي ينسخ شرعه ، وسلطانه بالحجة واليد ، كامل لا يحتاج فيه إلى الاستعانة بشرع آخر ، وشرعه ثابت باق إلى آخر الدهر .