الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 452 ] قالوا : نذكر ثالثا ، وقال داود في الزبور في المزمور المائة والتسعة قائلا : ( قال الرب لربي : اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت موطأ قدميك ) .

والجواب من وجوه :

أحدها : أنه لا يجوز أن يراد بـ ( ربي ) شيء من صفات الله ، فإنه لم يسم داود ولا أحد من الأنبياء شيئا من صفات الله ربا ولا ابنا ، ولا قال أحد لشيء من صفات الله : يا رب ارحمني ، ولا قال لعلم الله أو كلامه أو قدرته : يا رب ، وإذا لم يكونوا يسمون صفات الله ربا ، ولو كان المسيح صفة من صفاته لم يجز أن يكون هو المراد بلفظ الرب ، فكيف وناسوته أبعد عن اللاهوت أن يراد بذلك ؟

فعلم أنهم لم يريدوا بذلك لا اللاهوت ولا الناسوت .

الثاني : أنه قال : قال الرب لربي ، فأضاف إليه الثاني دون الأول [ ص: 453 ] وأنه هو ربه الذي خلقه ، وعامة ما عند النصارى من الغلو أن يقولوا : إله حق من إله حق ، ويجعلونه خالقا ، أما أن يجعلوه أحق من الأب بكونه رب داود ، فهذا لم يقولوه ، وهو ظاهر البطلان .

الثالث : أنه ليس في هذا ذكر الأقانيم الثلاثة ، غايته لو كان كما تأولوه أن يكون فيه ذكر الابن ، وأما الأقانيم الثلاثة فلم ينطق بها شيء من كتب الله التي بأيديهم ، فضلا عن القرآن لا بلفظها ولا معناها ، بل ابتدعوا لفظ الأقنوم ، وعبروا به عما جعلوه مدلول كتب الله ، وهي لا تدل على ذلك فكانوا في ذلك مترجمين لكلام الله ، وهم لم يفهموا معناه ، ولا عبروا عنه بعبارة تدل على المراد .

الرابع : أنه قال : لربي ، وهذا يراد به السيد ، كما قال يوسف :

إنه ربي أحسن مثواي .

وقال لغلام الملك :

اذكرني عند ربك .

وقال تعالى :

فأنساه الشيطان ذكر ربه .

ولهذا ذكر الأول مطلقا والثاني مقيدا ، فيكون المعنى : وقال الله لسيدي : قال رب العالمين لسيدي ، وسماه سيدا تواضعا من داود وتعظيما له ، لاعتقاده أنه أفضل منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية