[ ص: 452 ] قالوا : نذكر ثالثا ، داود في الزبور في المزمور المائة والتسعة قائلا : ( قال الرب لربي : اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت موطأ قدميك ) . وقال
والجواب من وجوه :
أحدها : أنه لا يجوز أن يراد بـ ( ربي ) شيء من صفات الله ، فإنه لم يسم داود ولا أحد من الأنبياء شيئا من صفات الله ربا ولا ابنا ، ولا قال أحد لشيء من صفات الله : يا رب ارحمني ، ولا قال لعلم الله أو كلامه أو قدرته : يا رب ، وإذا لم يكونوا يسمون صفات الله ربا ، ولو كان المسيح صفة من صفاته لم يجز أن يكون هو المراد بلفظ الرب ، فكيف وناسوته أبعد عن اللاهوت أن يراد بذلك ؟
فعلم أنهم لم يريدوا بذلك لا اللاهوت ولا الناسوت .
الثاني : أنه قال : قال الرب لربي ، فأضاف إليه الثاني دون الأول [ ص: 453 ] وأنه هو ربه الذي خلقه ، وعامة ما عند النصارى من الغلو أن يقولوا : إله حق من إله حق ، ويجعلونه خالقا ، أما أن يجعلوه أحق من الأب بكونه رب داود ، فهذا لم يقولوه ، وهو ظاهر البطلان .
الثالث : أنه ليس في هذا ذكر الأقانيم الثلاثة ، غايته لو كان كما تأولوه أن يكون فيه ذكر الابن ، وأما الأقانيم الثلاثة فلم ينطق بها شيء من كتب الله التي بأيديهم ، فضلا عن القرآن لا بلفظها ولا معناها ، بل ابتدعوا لفظ الأقنوم ، وعبروا به عما جعلوه مدلول كتب الله ، وهي لا تدل على ذلك فكانوا في ذلك مترجمين لكلام الله ، وهم لم يفهموا معناه ، ولا عبروا عنه بعبارة تدل على المراد .
الرابع : أنه قال : لربي ، وهذا يراد به السيد ، كما قال يوسف :
إنه ربي أحسن مثواي .
وقال لغلام الملك :
اذكرني عند ربك .
وقال تعالى :
فأنساه الشيطان ذكر ربه .
ولهذا ذكر الأول مطلقا والثاني مقيدا ، فيكون المعنى : وقال الله لسيدي : قال رب العالمين لسيدي ، وسماه سيدا تواضعا من داود وتعظيما له ، لاعتقاده أنه أفضل منه .