[ ص: 461 ] قالوا : وكذلك أشعيا ) بتحقق الثالوث بوحدانية جوهره ، وذلك بقوله : ( رب القوات ) ، وبقوله : ( رب السماوات والأرض ) ومثل هذا القول في التوراة والمزامير شيء كثير حتى شهد ( اليهود يقرون هذه النبوات ، ولا يعرفون لها تأويلا ، وهم معترفون بذلك ، ولا ينكرون منه كلمة واحدة ، وإنما قلوبهم مغلوقة عن فهمه لقساوتها على ما ذكرنا قبل ذلك ، وأنهم إذا اجتمعوا في كنيستهم كل سبت يقف [ ص: 462 ] الحران أمامهم ، ويقول كلاما عبرانيا هذا تفسيره ، ولا يجحدونه ، ( نقدسك ، ونعظمك ، ونثلث لك تقديسا مثلثا كالمكتوب على لسان نبيك ) .
فيصرخ الجميع مجاوبين : ( قدوس قدوس قدوس ، رب القوات ، ورب السماوات والأرض ) .
فما أوضح إقرارهم بالثالوث ، وأشد كفرهم بمعناه ، فنحن لأجل هذا البيان الواضح الذي قاله الله في التوراة ، وفي كتب الأنبياء فجعلوه ثلاثة أقانيم جوهرا واحدا ، طبيعة واحدة ، إلها واحدا ، ربا واحدا ، خالقا واحدا ، وهو الذي نقوله : أب وابن وروح قدس .
والجواب : أما ما في كتب الأنبياء عليهم السلام من تثنية اسم الرب عند إضافته إلى مخلوق آخر فهو من نمط تثنية اسم الإله ، [ ص: 463 ] وهذا لا يقتضي تعدد الأرباب والآلهة ، ولهذا لا يقتضي جعلهم اثنين وأربعة إذا ذكر اللفظ مرتين وأربعة .
فكذلك إذا ذكر ثلاث مرات لا يقتضي أن الأرباب ثلاثة ، وهم أيضا لا يقولون بثلاثة أرباب وثلاثة آلهة فلو كان هذا يدل على ثلاثة أرباب وثلاثة آلهة ، لدل على نقيض قولهم ، بل هم يزعمون أنهم إنما يثبتون إلها واحدا ، ولكنهم يناقضون فيصرحون بثلاثة آلهة ، ويقولون هم إله واحد .
والكتب لا تدل على قولهم المتناقض بوجه من الوجوه ، وأما ما ذكروه من اعتراف اليهود بألفاظ هذه النبوات ، ودعواه أنهم لا يعرفون لها تأويلا ، فإن أرادوا بالتأويل تفسيرها وما يدل عليه لفظها ، فهذا ظاهر لا يخفى على الصبيان من اليهود وغيرهم .
ولكن النصارى ادعوا ما لا يدل عليه اللفظ ، وإن أرادوا بالتأويل معنى يخالف ظاهر اللفظ فهذا إنما [ ص: 464 ] يحتاج إليه إذا كان ظاهره معنى باطلا ، لا يجوز إرادته ، وليس ما ذكروا هنا من هذا الباب ، بل الكتب الإلهية يكثر فيها مثل هذا الكلام عند أهل الكتاب وعند المسلمين ، ولا يفهم منها ثلاثة أرباب أو ثلاثة آلهة إلا من اتبع هواه بغير هدى من الله ، وقال قولا مختلفا يؤفك عنه من أفك ، ومثل هذا موجود في سائر الكلام يقال : هذا أمير البلد الفلاني ، وأمير البلد الفلاني ، وأمير البلد الفلاني ، وهو أمير واحد .
ويقال : هذا رسول الله إلى الأميين ، ورسول إلى أهل الكتاب ، ورسول إلى الجن والإنس ، وهو رسول واحد .