الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
وإن أوجبتم له الإلهية بقول أشعيا : إن غلاما ولد لنا ، وإننا أعطيناه كذا وكذا رئاسة على عاتقيه وبين منكبيه ، ويدعى اسمه ملكا عظيما إلها قويا مسلطا رئيسا ، قوي السلامة في كل الدهور ، وسلطانه كامل ليس له فناء . قيل لكم : ليس في هذه البشارة ما يدل على أن المراد بها المسيح بوجه من الوجوه .

ولو كان المراد بها المسيح لم يدل على مطلوبهم ، أما المقام الأول : فدلالتها على محمد بن عبد الله أظهر من دلالتها على المسيح ، فإنه هو الذي رئاسته على عاتقه وبين منكبيه من جهتين : من جهة أن خاتم النبوة على بعض كتفيه ، وهو من أعلام النبوة [ ص: 517 ] التي أخبرت به الأنبياء ، وعلامة ختم ديوانهم ، ولذلك كان في ظهره من جهة أنه بعث بالسيف الذي تقلد به على عاتقه ، ويرفعه إذا ضرب به على عاتقه ، ويدل عليه قوله : رئيس مسلط قوي السلامة ، وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم المؤيد المنصور المسلط رئيس السلامة ، فإن دينه الإسلام ، ومن اتبعه سلم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ومن استيلاء عدوه عليه .

والمسيح لم يسلط على أعدائه كما سلط محمد صلى الله عليه وسلم ، بل كان أعداؤه مسلطين عليه قاهرين له حتى عملوا به ما عملوا عند المثلثة عباد الصليب . فأين مطابقة هذه الصفات للمسيح بوجه من الوجوه ؟ وهي مطابقة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من كل وجه ، وهو الذي سلطانه كامل ليس له فناء إلى آخر الدهر .

فإن قيل : إنكم لا تدعون محمدا إلها بل هو عندكم عبد محض ؟ قيل : نعم ، والله إنه لكذلك عبد محض ، والعبودية أجل مراتبه ، واسم الإله من جهة التراجم جاء ، والمراد به السيد المطاع لا إله له ، المعبود الخالق الرازق .

التالي السابق


الخدمات العلمية