وإن أشعيا : إن غلاما ولد لنا ، وإننا أعطيناه كذا وكذا رئاسة على عاتقيه وبين منكبيه ، ويدعى اسمه ملكا عظيما إلها قويا مسلطا رئيسا ، قوي السلامة في كل الدهور ، وسلطانه كامل ليس له فناء . قيل لكم : ليس في هذه البشارة ما يدل على أن المراد بها أوجبتم له الإلهية بقول المسيح بوجه من الوجوه .
ولو كان المراد بها المسيح لم يدل على مطلوبهم ، أما المقام الأول : فدلالتها على محمد بن عبد الله أظهر من دلالتها على المسيح ، فإنه هو الذي رئاسته على عاتقه وبين منكبيه من جهتين : من جهة أن خاتم النبوة على بعض كتفيه ، وهو من أعلام النبوة [ ص: 517 ] التي أخبرت به الأنبياء ، وعلامة ختم ديوانهم ، ولذلك كان في ظهره من جهة أنه بعث بالسيف الذي تقلد به على عاتقه ، ويرفعه إذا ضرب به على عاتقه ، ويدل عليه قوله : رئيس مسلط قوي السلامة ، وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم المؤيد المنصور المسلط رئيس السلامة ، فإن دينه الإسلام ، ومن اتبعه سلم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ومن استيلاء عدوه عليه .
والمسيح لم يسلط على أعدائه كما سلط محمد صلى الله عليه وسلم ، بل كان أعداؤه مسلطين عليه قاهرين له حتى عملوا به ما عملوا عند المثلثة عباد الصليب . فأين مطابقة هذه الصفات للمسيح بوجه من الوجوه ؟ وهي مطابقة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من كل وجه ، وهو الذي سلطانه كامل ليس له فناء إلى آخر الدهر .
فإن قيل : إنكم لا تدعون محمدا إلها بل هو عندكم عبد محض ؟ قيل : نعم ، والله إنه لكذلك عبد محض ، والعبودية أجل مراتبه ، واسم الإله من جهة التراجم جاء ، والمراد به السيد المطاع لا إله له ، المعبود الخالق الرازق .