الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
( فصل ) : وكان من رؤساء النصارى الذين دخلوا في الإسلام لما تبين لهم أنه الحق ، الرئيس المطاع في قومه عدي بن حاتم الطائي .

[ ص: 266 ] ونحن نذكر قصته كما رواها الإمام أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم . قال عدي بن حاتم : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، فقال القوم : هذا عدي بن حاتم - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فلما دفعت إليه أخذ بيدي ، وقد كان قبل ذلك قال : إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي ، قال : فقام ، فلقيته امرأة وصبي معها ، فقالا : إن لنا إليك حاجة ، فقام معهما حتى قضى حاجتها ، ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره فألقت له الوليدة وسادة ، فجلس عليها ، وجلست بين يديه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ما يضرك أن تقول لا إله إلا الله ، فهل تعلم من إله سوى الله ، قال : قلت : لا ، ثم تكلم ساعة ، ثم قال : ما تضر أن يقال : الله أكبر وهل تعلم أن شيئا أكبر من الله ؟ قال : قلت لا . قال : فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضلال . قال : فقلت : فإني حنيف مسلم ، قال : فرأيت وجهه ينبسط فرحا ، قال : ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار ، وجعلت أغشاه أي آتيه طرفي النهار ، قال : فبينا أنا عنده عشية إذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار . قال : فصلى وقام فحث عليهم . ثم قال : ولو بصاع ، ولو بنصف صاع ، ولو بقبضة ، ولو بنصف قبضة يقي أحدكم وجهه حر جهنم أو النار ، ولو بتمرة ، ولو بشق تمرة ، فإن أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم : [ ص: 267 ] ألم أجعل لك سمعا وبصرا ؟ فيقول : بلى يا رب ، فيقول : ألم أجعل لك مالا وولدا ؟ فيقول : بلى ، فيقول : أين ما قدمت لنفسك ؟ ! فينظر قدامه وبعده وعن يمينه وعن شماله ، ثم لا يجد شيئا يقي وجهه ، ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإني لا أخاف عليكم الفاقة ، فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة ، فيما بين يثرب والحيرة أكثر ما يخاف على مطيتها السرق . قال : فجعلت أقول في نفسي فأين لصوص طي ؟ . وكان عدي مطاعا في قومه بحيث يأخذ المرباع من غنائمهم .

وقال حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : قال أبو عبيدة بن حذيفة : قال عدي بن حاتم : بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط ، فخرجت حتى أتيت أقصى أرض العرب مما يلي الروم ، ثم كرهت مكاني أشد مما كرهت مكاني الأول ، فقلت : لو أتيت فسمعت منه ، فأتيت المدينة فانتشر في الناس ، وقالوا : جاء [ ص: 268 ] عدي بن حاتم الطائي ! فقال : يا عدي أسلم تسلم ، فقلت : إني على دين ، قال : أنا أعلم بدينك منك ، قلت : أنت أعلم بديني مني ؟ قال : نعم ، قال هذا ثلاثا ، قال : ألست ركوسيا ؟ قلت : بلى ، قال : ألست ترأس قومك ؟ ، قلت : بلى ، قال : ألست تأخذ المرباع ، قلت بلى ، قال : فإن ذلك لا يحل لك في دينك ، قال : فوجدت بها علي غضاضة ، ثم قال : لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى عندنا خصاصة ، وترى الناس علينا ألبا واحدا ، هل رأيت الحيرة ؟ قلت : لم أرها وقد علمت مكانها ، قال : فإن الظعينة سترحل من الحيرة تطوف بالبيت بغير جوار ، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز ، قلت : كسرى بن هرمز ؟ قال : كنوز كسرى بن هرمز ، وليفيض المال حتى يهم الرجل من يقبل منه صدقته ، قال : فرأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار ، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن ، ووالله لتكونن الثالثة . إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية