وقد كان   سلمان الفارسي  من أعلم  النصارى   بدينهم   ، وكان قد تيقن خروج   [ ص: 269 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقدم  المدينة   قبل مبعثه ، فلما رآه عرف أنه هو النبي الذي بشر به  المسيح   فآمن به واتبعه ، ونحن نسوق قصته .  
قال   ابن إسحاق     : حدثني  عاصم  ، عن  محمود  ، عن   ابن عباس  رضي الله عنهما ، قال : حدثني  سلمان  من فيه ، قال :  كنت رجلا  فارسيا   من  أهل  أصبهان    من قرية يقال لها : (  حي      ) . وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيت كما يحبس الجارية ، فاجتهدت في  المجوسية   حتى كنت قطن النار التي توقدها لا نتركها ساعة تخبو ، وكانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما . فقال : يا بني ، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها فاطلعها ، وأمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري ، فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس  النصارى   فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم ، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في أمرهم ، فقلت : هذا والله خير من الذي نحن عليه ، فوالله ما برحت حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها ، ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا :   [ ص: 270 ] بالشام   ، فرجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي ، وشغله عن عمله كله ، فلما جئت قال : يا بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبت ، مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ، فقال : أي بني ! ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه ، فقلت له : كلا والله إنه لخير من ديننا ، قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته ، وبعثت إلى  النصارى   فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من  الشام   فأخبروني بهم ، فقدم عليهم تجار من  النصارى   فأخبروني ، فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم ، قال : فلما أرادوا الرجعة أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت  الشام      .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					