قال المسلمون : البشارة صريحة في النبي العربي الأمي  محمد - صلى الله عليه وسلم - بن عبد الله   لا تحتمل على غيره ، لأنها إنما وقعت بنبي من إخوة بني إسرائيل لا من بني إسرائيل أنفسهم ،  والمسيح   من بني إسرائيل ، فلو كان المراد بها هو المسيح لقال : أقيم لهم نبيا من أنفسهم .  
كما قال تعالى :  لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم   ، وإخوة بني إسرائيل هم بنو  إسماعيل  ، ولا يقال في لغة أمة من الأمم إن بني إسرائيل هم إخوة بني إسرائيل ، كما أن إخوة زيد لا يدخل فيهم زيد نفسه .  
 [ ص: 318 ] وأيضا فإنه قال : نبيا مثلك وهذا يدل على أنه صاحب شريعة عامة مثل  موسى   ، وهذا يبطل حمله على  شموئيل   من هذه الوجوه أيضا ، ويبطل حمله على  يوشع   من ثلاثة أوجه :  
أحدها : أنه من بني إسرائيل لا من إخوتهم .  
الثاني أنه لم يكن مثل  موسى   ، في التوراة التي بأيديهم : لا يقوم في بني إسرائيل مثل  موسى      .  
الثالث : أن  يوشع   نبي في زمن  موسى   ، وهو كالب ، وهذا الوعد إنما هو بنبي يقيمه الله تعالى بعد  موسى      .  
وبهذه الوجوه الثلاثة يبطل حمله على  هارون   ، مع أن  هارون   توفي قبل  موسى   ، ونبأه الله تعالى مع  موسى   في حياته ، ويبطل ذلك من وجه رابع أيضا وهو : أن في هذه البشارة أنه ينزل عليه كتابا يظهر للناس من فيه ، وهذا لم يكن لأحد بعد  موسى   غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من علامات نبوته التي أخبر بها الأنبياء المتقدمون ، قال تعالى :  وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل      .  
فالقرآن نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وظهر للأمة من فيه ، ولا تصح هذه البشارة على  المسيح   باتفاق النصارى ، لأنها إنما جاءت بواحد من إخوة بني إسرائيل ، وبنو إسرائيل وإخوتهم كلهم عبيد لله ، ليس فيهم إله ،  والمسيح   عندهم إله معبود ، وهو أجل عندهم من أن يكون من إخوة بني إسرائيل العبيد ، والبشارة وقعت بعبد مخلوق   [ ص: 319 ] يقيمه الله من جملة عباده وإخوتهم ، وغايته أن يكون نبيا لا غاية له فوقها ، وهذا ليس هو  المسيح   عند النصارى . وأما مقالتهم أنه على حذف ألف الاستفهام ، وهو استفهام إنكار ، والمعنى ( أأقيم لبني إسرائيل نبيا مثلك ) - عادة لهم معروفة في تحريف كلام الله عن مواضعه والكذب على الله ، وقولهم لما يبدلونه ويحرفونه : هذا من عند الله .  
وحمل هذا الكلام على الاستفهام والإنكار غاية ما يكون من التحريف والتبديل .  
وهذا التحريف والتبديل من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها عن الله من تحريفهم وتبديلهم ، فأظهر الله صدقه في ذلك كله إلى كل ذي لب وعقل ، فازداد إيمانا إلى إيمانه ، وازداد الكافرون رجسا إلى رجسهم .  
				
						
						
