قال : الدرجة الثالثة :  إخلاص العمل بالخلاص من العمل ،   تدعه يسير سير العلم . وتسير أنت مشاهدا للحكم ، حرا من رق الرسم .  
قد فسر الشيخ مراده بإخلاص العمل من العمل بقوله : تدعه يسير سير العلم وتسير أنت مشاهدا للحكم .  
ومعنى كلامه : أنك تجعل عملك تابعا لعلم ، موافقا له ، مؤتما به . تسير بسيره وتقف بوقوفه ، وتتحرك بحركته . نازلا منازله ، مرتويا من موارده ، ناظرا إلى الحكم الديني الأمري ، متقيدا به ، فعلا وتركا ، وطلبا وهربا . ناظرا إلى ترتب الثواب والعقاب عليه سببا وكسبا . ومع ذلك فتسير أنت بقلبك ، مشاهدا للحكم الكوني القضائي ، الذي تنطوي فيه الأسباب والمسببات ، والحركات والسكنات . ولا يبقى هناك غير محض المشيئة ، وتفرد الرب وحده بالأفعال ، ومصدرها عن إرادته ومشيئته . فيكون قائما بالأمر والنهي فعلا وتركا ، سائرا بسيره ، وبالقضاء والقدر ، إيمانا وشهودا وحقيقة . فهو ناظر إلى الحقيقة . قائم بالشريعة .  
وهذان الأمران هما عبودية هاتين الآيتين : (  لمن شاء منكم أن يستقيم   وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين      ) وقال تعالى : (  إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا   وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما      ) .  
فترك العمل يسير سير العلم : مشهد : (  لمن شاء منكم أن يستقيم      ) ، وسير صاحبه      [ ص: 97 ] مشاهدا للحكم : مشهد : (  وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين      ) .  
وأما قوله : حرا من رق الرسم ، فالحرية التي يشيرون إليها : هي عدم الدخول تحت عبودية الخلق والنفس ، والدخول تحت رق عبودية الحق وحده .  
ومرادهم بالرسم : ما سوى الله ، فكله رسوم . فإن الرسوم هي الآثار . ورسوم المنازل والديار : هي الآثار التي تبقى بعد سكانها . والمخلوقات بأسرها في منزل الحقيقة رسوم وآثار للقدرة ؛ أي فتخلص نفسك من عبودية كل ما سوى الله ، وتكون بقلبك مع القادر الحق وحده . لا مع آثار قدرته التي هي رسوم . فلا تشتغل بغيره لتشغلها بعبوديته . ولا تطلب بعبوديتك له حالا ولا مقاما . ولا مكاشفة ، ولا شيئا سواه .  
فهذه أربعة أمور : بذل الجهد ، وتحكيم العلم ، والنظر إلى الحقيقة ، والتخلص من الالتفات إلى غيره . والله الموفق والمعين .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					