ثم ، فالمعتق بالخيار إن شاء أعتق ما بقي وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى ; لما ذكرنا في الشريك الذي لم يعتق ; لأن نصيبه انتقل إليه فقام مقامه وبأي وجه عتق من الإعتاق أو السعاية فولاء العبد كله له ; لأنه عتق كله على ملكه ، هذا إذا كان المعتق موسرا . إذا ضمن الذي أعتق
فأما إن كان معسرا ، فللشريك أربع خيارات : إن شاء أعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى ; لما ذكرنا .
وأما على قول أبي يوسف فيعتق كله ; لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ فكان إعتاق بعضه إعتاقا لكله ولا خيار للشريك عندهما ، وإنما له الضمان لا غير إن كان المعتق موسرا ، وإن كان معسرا فله السعاية لا غير ; لما ذكرنا أن المعتق صار متلفا نصيب الشريك فكان ينبغي أن يكون الواجب هو الضمان في حالة اليسار والإعسار ، إلا أن وجوب السعاية حال الإعسار ثبت بخلاف القياس بالنص . ومحمد
وأما على قول إن كان المعتق موسرا ، عتق كله وللشريك أن يضمنه لا غير كما قالا وإن كان معسرا يعتق ما أعتق ويبقى الباقي محلا لجميع التصرفات المزيلة للملك من البيع والهبة وغير ذلك ; لأن الإعتاق عنده لا يتجزأ في حالة اليسار ، وفي حالة الإعسار يتجزأ ; لما ذكرنا من الدلائل الشافعي ، فيقتصر حكم تصرف المعتق على نصيبه فيبقى نصيبه على ما كان من مشايخنا من قال : لا خلاف بين أصحابنا في أن العتق لا يتجزأ وإنما اختلفوا في الإعتاق وهذا غير سديد ; لأن الإعتاق لما كان [ ص: 90 ] متجزئا عند لأبي حنيفة ، كان العتق متجزئا ضرورة إذ هو حكم الإعتاق ، والحكم يثبت على وفق العلة ، ولما لم يكن متجزئا عندهما لم يكن الإعتاق متجزئا أيضا ; لما قلنا ; ولأن القول بهذا قول بتخصيص العلة ; لأنه يوجد الإعتاق في النصف ويتأخر العتق فيه إلى وقت الضمان أو السعاية ، وأنه قول بوجود العلة ولا حكم وهو تفسير تخصيص العلة وأنه باطل ، ولنا أن العتق وإن ثبت في نصيب المعتق على طريق الاقتصار عليه ، لكن في الإعتاق حق الله عز وجل وحق العبد بالإجماع وإنما اختلفوا في الرجحان . أبي حنيفة
فالقول بالتمليك إبطال الحقين وهذا لا يجوز ، وكذا فيه إضرار بالمعتق بإهدار تصرفه من حيث الثمرة للحال ، وإضرار بالعبد من حيث إلحاق الذل به في استعمال النصف الحر والضرر منفي شرعا فإن قيل : إن كان في التمليك إضرار بالمعتق ، ففي المنع من التمليك إضرار بالشريك الساكت ; لما فيه من منعه من التصرف في ملكه فوقع التعارض ، فالجواب : إنا لا نمنعه من التمليك أصلا ورأسا فإن له أن يضمن المعتق ويستسعي العبد ويكاتبه ، وفي التضمين تمليكه من المعتق بالضمان ، وفي الاستسعاء والمكاتبة إزالة الملك إلى عوض وهو السعاية وبدل الكتابة ، فكان فيما قلنا رعاية الجانبين فكان أولى .
فإن اختار التدبير فدبر نصيبه صار نصيبه مدبرا عند لأن نصيبه باق على ملكه ; فيحتمل التخريج إلى العتق ، والتدبير تخرج إلى العتق إلا أنه لا يجوز له أن يتركه على حاله ليعتق بعد الموت بل يجب عليه السعاية للحال فيؤدي فيعتق ، لأن تدبيره اختيار منه للسعاية وله أن يعتق لأن المدبر قابل للإعتاق ، وليس له أن يضمن المعتق ; لأن التضمين يقتضي تملك المضمون والمدبر لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك ; لأن تدبيره اختيار منه للسعاية ، واختيار السعاية يسقط ولاية التضمين على ما نذكر إن شاء الله تعالى وإن اختار الكتابة ، فكاتب نصيبه يصير نصيبه مكاتبا عند أبي حنيفة ; لما ذكرنا ، وكانت مكاتبته اختيارا منه للسعاية ، حتى لا يملك تضمين المعتق بعد ذلك ; ولأن ملك المكاتب وهو مكاتب لا يحتمل النقل أيضا ; فتعذر التضمين ويملك إعتاقه ; لأن الكتابة لا تمنع من الإعتاق . أبي حنيفة