وأما الذي هو في جانب المؤاجر فنحو أن من الإبل والعقار ونحو ذلك إذا كان الدين ثبت قبل عقد الإجارة بالبينة أو بالإقرار أو ثبت بالبينة بعد عقد الإجارة ولو ثبت بعد عقد الإجارة بالإقرار فكذلك عند يلحقه دين فادح لا يجد قضاءه إلا من ثمن المستأجر . أبي حنيفة
وأما عندهما فالدين الثابت بالإقرار بعد عقد الإجارة لا تفسخ به الإجارة ; لأنه متهم في هذا الإقرار .
أن الظاهر أن الإنسان لا يقر بالدين على نفسه كاذبا وهذا العذر من جانب المؤاجر بناء على أن بيع المؤاجر لا ينفذ عندنا من غير إجازة المستأجر خلافا ولأبي حنيفة على ما نذكره وإذا لم يجز البيع مع عقد الإجارة جعل الدين عذرا في فسخ الإجارة ; لأن إبقاء الإجارة مع لحوق الدين الفادح العاجل إضرار بالمؤاجر ; لأنه يحبس به ولا يجوز الجبر على تحمل ضرر غير مستحق بالعقد فإن قيل كيف يحبسه القاضي وهو غير قادر على قضاء الدين بالمؤاجر لتعلق حق المستأجر به فينبغي أن لا يحبسه القاضي فالجواب أن القاضي لا يصدقه أنه لا مال له سوى المؤاجر فيحبسه إلى أن يظهر حاله ، وفي الحبس ضرر على أنه إن لم يكن له مال آخر غير المؤاجر لكن حق المستأجر إنما يتعلق بالمنفعة لا بالعين وقضاء الدين يكون من [ ص: 199 ] بدل العين وهو الثمن ، فيحبس حتى يبيع ، وكذلك لو اشترى شيئا فأجره ثم اطلع على عيب به له أن يفسخ الإجارة ويرده بالعيب على بائعه - وإن رضي المستأجر بالعيب - ويجعل حق الرد بالعيب عذرا له في فسخ الإجارة ; لأنه لا يقدر على استيفائها إلا بضرر وهو التزام المبيع المعيب ، ولو أراد المؤاجر السفر أو النقلة عن البلد وقد أجر عقارا له فليس ذلك بعذر ; لأن استيفاء العقار مع غيبته لا ضرر عليه فيه ، قال للشافعي : إن أبو يوسف ; فله أن يفسخ إذا كانت بعينها ، أما إذا أصاب الإبل داء فلأن استعمال الدابة مع ما بها من الداء إجحاف بها وفيه ضرر بصاحبها ، والضرر لا يستحق بالعقد فيثبت له حق الفسخ ، وكذا المستأجر ; لأن المنافع تنقص بمرض الإبل ، فصار ذلك عيبا فيها . مرض المؤاجر أو أصاب إبله داء
وأما فظاهر رواية الأصل يقتضي أن لا يكون عذرا ; لأن أثر المرض في المنع من الخروج ، وخروج الجمال بنفسه مع الجمال غير مستحق بالعقد ، وأما وجه رواية مرض الجمال وهو الفرق بين مرض الجمال وبين قعوده أن الجمال يقوم على جماله بنفسه فإذا مرض لا يقوم غيره مقامه إلا بضرر ، وليس كذلك إذا بدا له من الخروج ; لأنه يقدر على الخروج ، فإذا ترك ذلك باختياره كان عليه أن يقيم غيره مقامه ، ولو أبي يوسف " قال أجر صانع من الصناع أو عامل من العمال نفسه لعمل أو صناعة ثم قال : " بدا لي أن أترك هذا العمل وأنتقل منه إلى غيره : إن كان ذلك من عمله بأن كان حجاما فقال : " قد أنفت من عملي وأريد تركه " لم يكن له ذلك ، ويقال : أوف العمل ثم انتقل إلى ما شئت من العمل ; لأن العقد قد لزمه ، ولا عار عليه فيه ; لأنه من أهل تلك الحرفة ، فهو بقوله : " أريد أن أتركه " يريد أن يدفع عنه في الحال ، ويقدر على ذلك بعد انقضاء العمل ، وإن محمد ، أو كانت امرأة أجرت نفسها ظئرا وهي ممن تعاب بذلك فلأهلها أن يخرجوها ، وكذلك إن أبت هي أن ترضعه ; لأنه من لا يكون من أهل الصنائع الدنيئة إذا دخل فيها يلحقه العار ، فإذا أراد الترك فهو لا يقدر على إيفاء المنافع إلا بضرر ، وكذلك الظئر إذا لم تكن ممن يرضع مثلها فلأهلها الفسخ ; لأنهم يعيرون بذلك ، وفي المثل السائر ( تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ) . كان ذلك العمل ليس من عمله ، وصنعته بل أسلم نفسه فيها ، وذلك مما يعاب به
فإن لم يمكن إيفاء العقد إلا بضرر فلا يقدر على تسليم المنفعة إلا بضرر ، بخلاف ما إذا زوجت نفسها من غير كفء أنه لا يثبت لها حق الفسخ ، ويثبت للأولياء ; لأن النكاح لا يفسخ بالعذر فقد لزمها العقد ، والإجارة تنفسخ بالعذر وإن وقعت لازمة .
ليس له ذلك ; لأنه يمكنه أن يستأجر منزلا آخر أو يشتري فلا ضرورة إلى فسخ الإجارة ، وكذا إذا أراد التحول من هذا المصر ; لأنه يمكنه أن يترك المنزل في الإجارة ويخرج ، بخلاف المستأجر إذا أراد أن يخرج ; لما ذكرنا ، ولو اشترى المستأجر منزلا فأراد التحول إليه لم يكن ذلك عذرا ; لأنه يمكنه أن يؤاجر دار نفسه ، فشراؤه دارا أخرى أو وجود دار أخرى لا يوجب عذرا في الدار المستأجرة والله عز وجل أعلم . ولو انهدم منزل المؤاجر ولم يكن له منزل آخر سوى المنزل المؤاجر فأراد أن ينقض الإجارة ويسكنها