( وأما ) وجوب الدين على المحال عليه للمحيل قبل الحوالة ;  فليس بشرط لصحة الحوالة ، حتى تصح الحوالة ، سواء كان للمحيل على المحال عليه دين ، أو لم يكن ، وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة ، والجملة فيه أن الحوالة نوعان    : مطلقة ، ومقيدة ، فالمطلقة : أن يحيل بالدين على فلان ، ولا يقيده بالدين الذي عليه ، والمقيدة : أن يقيده بذلك ، والحوالة بكل واحدة من النوعين جائزة ; لقوله عليه الصلاة والسلام {   : من أحيل على مليء فليتبع   } من غير فصل . 
إلا أن الحوالة المطلقة ; تخالف الحوالة المقيدة في أحكام ،    ( منها ) : أنه إذا أطلق الحوالة ، ولم يكن له على المحال عليه دين  ، فإن المحال يطلب المحال عليه بدين الحوالة لا غير ، وإن كان له عليه دين ; فإن المحال عليه يطالب بدينين : دين الحوالة ، ودين المحيل ، فيطالبه  [ ص: 17 ] المحال بدين الحوالة ، ويطالبه المحيل بالدين الذي له عليه ، ولا ينقطع حق المطالبة للمحيل بدينه بسبب الحوالة ; لأن الحوالة لم تتقيد بالدين الذي للمحال عليه ; لأنها وجدت مطلقة عن هذه الشريطة ، فيتعلق دين الحوالة بنعته ، ودين المحيل بقي على حاله ، وإذا قيدها بالدين الذي عليه ; ينقطع حق مطالبة المحيل ; لأنه قيد الحوالة بهذا الدين ، فيتقيد به ، ويكون ذلك الدين بمنزلة الرهن عنده ، وإن لم يكن رهنا على الحقيقة . 
( ومنها ) : أنه لو ظهرت براءة المحال عليه ; من الدين الذي قيدت به الحوالة ،  بأن كان الدين ثمن مبيع فاستحق المبيع ; تبطل الحوالة ولو سقط عنه الدين لمعنى عارض ، بأن هلك المبيع عند البائع قبل التسليم بعد الحوالة ، حتى سقط الثمن عنه ; لا تبطل الحوالة عنه لكن إذا أدى الدين بعد سقوط الثمن يرجع بما أدى على المحيل ; لأنه قضى دينه بأمره . 
ولو ظهر ذلك في الحوالة المطلقة ; لا يبطل ; لأنه لما قيد الحوالة به فقد تعلق الدين به ، فإذا ظهر أنه لا دين ، فقد ظهر أنه لا حوالة ; لأن الحوالة بالدين ، وقد تبين أنه لا دين ، فتبين أنه لا حوالة ضرورة ، وهذا لا يوجد في الحوالة المطلقة ; لأن تعلق الدين به يوجب تقييد الحوالة ، ولم يوجد ; فلا يتعلق به الدين ; فيتعلق بالذمة ; فلا يظهر أن الحوالة كانت باطلة ، وكذلك لو قيد الحوالة بألف وديعة عند رجل ، فهلكت الألف عند المودع ; بطلت الحوالة . 
ولو كانت الألف على المحال عليه مضمونة ; لا تبطل الحوالة بالهلاك ; لأنه يجب عليه مثلها . 
( ومنها ) : أنه إذا مات المحيل في الحوالة المقيدة ،  قبل أن يؤدي المحال عليه الدين إلى المحال ، وعلى المحيل ديون سوى دين المحال ، وليس له مال سوى هذا الدين ; لا يكون المحال أحق به من بين سائر الغرماء ، عند أصحابنا الثلاثة   ، وعند  زفر    : يكون أحق به من بين سائر الغرماء كالرهن . 
( ولنا ) الفرق بين الحوالة والرهن ،  وهو أن المرتهن اختص بغرم الرهن من بين سائر الغرماء ألا ترى أنه لو هلك يسقط دينه خاصة ؟ ولما اختص بغرمه اختص بغنمه ; لأن الخراج بالضمان ، فأما المحال في الحوالة المقيدة ، فلم يختص بغرم ذلك المال ; ألا ترى أنه لو توي لا يسقط دينه على المحيل ، والتوى على المحيل دونه ، فلما لم يختص بغرمه لم يختص بغنمه أيضا ، بل يكون هو وغرماء المحيل أسوة في ذلك ، وإذا أراد المحيل أن يأخذ المحال عليه ببقية دينه ، فليس له ذلك ; لأن المال الذي قيدت به الحوالة استحق من المحال عليه ; فبطلت الحوالة . 
ولو كانت الحوالة مطلقة ، والمسألة بحالها ; يؤخذ من المحال عليه جميع الدين الذي عليه ، ويقسم بين غرماء المحيل ، ولا يدخل المحال في ذلك ، وإنما يؤخذ من المحال عليه ; لأن الحوالة لم تتعلق به ، فذلك ملك المحيل ولا يشاركهم المحال في ذلك ; لأن حقه ثبت على المحال عليه ، ولا يعود إلى المحيل ، ولكن القاضي يأخذ من غرماء المحيل كفيلا ; لأنه ثبت الرجوع إليهم لأحد رجلين . 
( أما ) المحال ، إذا توي ما على الآخر  ، وأما المحال عليه إذا أدى الدين ; فالقاضي نصب ناظرا لأمور المسلمين ، فيحتاط في ذلك بأخذ الكفيل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					