الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                والثاني الإبراء وما هو في معناه فإذا أبرأ الطالب الكفيل أو الأصيل خرج عن الكفالة غير أنه إذا أبرأ الكفيل لا يبرأ الأصيل وإذا أبرأ الأصيل يبرأ الكفيل لأن الدين على الأصيل لا على الكفيل إنما عليه حق المطالبة فكان إبراء الأصيل إسقاط الدين عن ذمته فإذا سقط الدين عن ذمته يسقط حق المطالبة ضرورة لأن المطالبة بالدين ولا دين محال فأما إبراء الكفيل فإبراؤه عن المطالبة لا عن الدين إذ لا دين عليه وليس من ضرورة إسقاط حق المطالبة عن الكفيل سقوط أصل الدين عن الأصيل لكن يخرج الكفيل عن الكفالة لأن حكم الكفالة حق المطالبة عن الكفيل فإذا سقط تنتهي إلا أن إبراء الأصيل يرتد بالرد وكذا الهبة منه أو التصدق عليه وإبراء الكفيل لا يرتد بالرد والهبة منه والتصدق عليه والفرق بين هذه الجملة يعرف في موضعه إن شاء الله تعالى وإذا ارتدت هذه التصرفات برد الأصيل عاد الدين إلى ذمته وهل تعود المطالبة بالدين إلى الكفيل اختلف المشايخ فيه ولو أبرأ الأصيل أو وهب منه بعد موته فرد ورثته يرتد عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه الله لا يرتد .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن هذا بمنزلة ما لو أبرأه حال حياته ثم مات قبل الرد وهناك لا يرتد برد الورثة فكذا هذا ولهما أن إبراءه بعد موته إبراء لورثته لأنهم يطالبون بدينه من ماله بعد موته وإبراء الورثة يرتد بردهم بخلاف حال الحياة لأنهم لا يطالبون بدينه بوجه فاقتصر حكم الإبراء عليه فلا يرتد برد الورثة وكذا لو قال الطالب للكفيل برئت إلي من المال لأن هذا إقرار بالقبض والاستيفاء لأنه جعل نفسه غاية لبراءته والبراءة التي هي غايتها [ ص: 12 ] نفسه هي براءة القبض والاستيفاء وبرئا جميعا لأن استيفاء الدين يوجب براءتهما جميعا فيرجع الكفيل على الأصيل إذا كانت الكفالة بأمره لما ذكرنا ولو قال برئت من المال ولم يقل إلي فكذلك عند أبي يوسف وهذا .

                                                                                                                                وقوله برئت إلي سواء عنده وعند محمد يبرأ الكفيل دون الأصيل وهذا .

                                                                                                                                وقوله أبرأتك سواء عنده .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد أن البراءة عن المال قد تكون بالأداء وقد تكون بالإبراء فلا تحمل على الأداء إلا بدليل زائد وقد وجد ذلك في الفصل الأول وهو قوله إلي لأن ذلك ينبئ عن معنى الأداء لما ذكرنا ولم يوجد هنا فتحمل على الإبراء لأن البراءة حكم الإبراء في الأصل .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف أن البراءة المضافة إلى المال تستعمل في الأداء عرفا وعادة فتحمل عليه ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بشرط لأن البراءة فيها معنى التمليك والتمليك لا يحتمل التعليق بالشرط .

                                                                                                                                ولو أحال الكفيل الطالب بمال الكفالة على رجل وقبله الطالب فالمحتال عليه يخرج عن الكفالة عند أصحابنا الثلاثة وكذا إذا أحاله المطلوب بمال الكفالة على رجل وقبله لأن الحوالة مبرئة عن الدين والمطالبة جميعا عند عامة مشايخنا وعند بعضهم مبرئة عن المطالبة وإبراء الكفيل والأصيل مخرج عن الكفالة لما ذكرنا وعند زفر لا يخرج الكفيل عن الكفالة بالحوالة لأن الحوالة عنده ليست بمبرئة أصلا لما يأتي في كتاب الحوالة إن شاء الله تعالى وكذلك الكفيل يخرج عن الكفالة بالصلح كما يخرج بالحوالة بأن يصالح الكفيل الطالب على بعض المدعى لأن الصلح على جنس المدعى إسقاط بعض الحق فكان فيه معنى الإبراء وعلى خلاف الجنس معاوضة فكان في معنى الإبراء وكل ذلك يخرج عن الكفالة غير أن في حالين يبرأ الكفيل والأصيل جميعا وفي حال يبرأ الكفيل دون الأصيل .

                                                                                                                                ( أما ) الحالتان اللتان برئ فيهما الكفيل والأصيل جميعا إحداهما أن يقول الكفيل للطالب صالحتك من الألف على خمسمائة على أني والمكفول منه برئان من الخمسمائة الباقية ويكون الطالب في الخمسمائة التي وقع عليها الصلح بالخيار إن شاء أخذها من الكفيل ثم الكفيل يرفع بها على الأصيل وإن شاء أخذها من الأصيل والثانية أن يقول صالحتك على خمسمائة مطلقا عن شرط البراءة أصلا لما ذكرنا قبل هذا أن الإبراء المضاف إلى المال المجرد عن شرط البراءة المضافة إلى الكفيل إبراء عن الدين والدين واحد فإذا سقط عن الأصيل سقطت المطالبة عن الكفيل .

                                                                                                                                ( وأما ) الحوالة التي يبرأ الكفيل فيها دون الأصيل فهي أن يقول الكفيل للطالب صالحتك على أني بريء من الخمسمائة وقد بينا الفرق من قبل والطالب بالخيار إن شاء أخذ جميع دينه من الأصيل وإن شاء أخذ من الكفيل خمسمائة ومن الأصيل خمسمائة ثم يرجع الكفيل على الأصيل بما أدى إن كان الصلح بأمره .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية