الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان حكم المضاربة ، فالمضاربة لا تخلو إما أن تكون صحيحة أو فاسدة ، ولكل واحد منهما أحكام .

                                                                                                                                أما أحكام الصحيحة فكثيرة بعضها يرجع إلى حال المضارب في عقد المضاربة ، وبعضها يرجع إلى عمل المضارب ، ما لكل واحد منهما أن يعمله وما ليس له أن يعمله ، وبعضها يرجع إلى ما يستحقه المضارب بالعمل وما يستحقه رب [ ص: 87 ] المال بالمال .

                                                                                                                                ( أما ) الذي يرجع إلى حال المضارب في عقد المضاربة فهو أن رأس المال قبل أن يشتري المضارب به شيئا أمانة في يده بمنزلة الوديعة ; لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة ، فإذا اشترى به شيئا صار بمنزلة الوكيل بالشراء والبيع ; لأنه تصرف في مال الغير بأمره ، وهو معنى الوكيل فيكون شراؤه على المعروف ، وهو أن يكون بمثل قيمته أو بما يتغابن الناس في مثله ، كالوكيل بالشراء وبيعه على الاختلاف المعروف في الوكيل بالبيع المطلق .

                                                                                                                                ولو اشترى شراء فاسدا يملك إذا قبض لا يكون مخالفا ويكون الشراء على المضاربة .

                                                                                                                                وكذا إذا باع شيئا من مال المضاربة بيعا فاسدا لا يصير مخالفا ولا يضمن ; لأن المضاربة توكيل ، والوكيل بالشراء والبيع مطلقا يملك الصحيح والفاسد ، فلا يصير مخالفا ، فإذا ظهر في المال ربح صار شريكا فيه بقدر حصته من الربح ; لأنه ملك جزءا من المال المشروط بعمله ، والباقي لرب المال ; لأنه نماء ماله ، فإذا فسدت بوجه من الوجوه صار بمنزلة الأجير لرب المال ، فإذا خالف شرط رب المال صار بمنزلة الغاصب ، ويصير المال مضمونا عليه ، ويكون ربح المال كله بعد ما صار مضمونا عليه له ; لأن الربح بالضمان لكنه لا يطيب له في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله يطيب له وهو على اختلافهم في الغاصب والمودع إذا تصرفا في المغصوب الوديعة وربحا .

                                                                                                                                ولو أراد رب المال أن يجعل المال مضمونا على المضارب ، فالحيلة في ذلك أن يقرض المال من المضارب ويشهد عليه ويسلمه إليه ، ثم يأخذ منه مضاربة بالنصف أو بالثلث ، ثم يدفعه إلى المستقرض فيستعين به في العمل ، حتى لو هلك في يده كان القرض عليه ، وإذا لم يهلك وربح يكون الربح بينهما على الشرط وحيلة أخرى أن يقرض رب المال جميع المال من المضارب إلا درهما واحدا ، ويسلمه إليه ويشهد على ذلك ، ثم إنهما يشتركان في ذلك شركة عنان على أن يكون رأس مال المقرض درهما ورأس مال المستقرض جميع ما استقرض على أن يعملا جميعا وشرطا أن يكون الربح بينهما ثم بعد ذلك يعمل المستقرض خاصة في المال ، فإن هلك المال في يده كان القرض على حاله .

                                                                                                                                ولو ربح كان الربح بينهما على الشرط .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية