الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما صفة الحكم فهي أن الملك الثابت للمستعير ملك غير لازم ; لأنه ملك لا يقابله عوض ، فلا يكون لازما كالملك الثابت بالهبة ، فكان للمعير أن يرجع في العارية سواء أطلق العارية أو وقت لها وقتا ، وعلى هذا إذا استعار من آخر أرضا ليبني عليها أو ليغرس فيها ، ثم بدا للمالك أن يخرجه فله ذلك سواء كانت العارية مطلقة أو موقتة ، لما قلنا غير أنها إن [ ص: 217 ] كانت مطلقة له أن يجبر المستعير على قلع الغرس ونقض البناء ; لأن في الترك ضررا بالمعير ; لأنه لا نهاية له ، وإذا قلع ونقض لا يضمن المعير شيئا من قيمة الغرس والبناء ; لأنه لو وجب عليه الضمان لوجب بسبب الغرور ، ولا غرور من جهته ، حيث أطلق العقد ولم يوقت فيه وقتا فأخرجه قبل الوقت ، بل هو الذي غرر نفسه حيث حمل المطلق على الأبد ، وإن كانت موقتة فأخرجه قبل الوقت لم يكن له أن يخرجه ، ولا يجبر على النقض والقلع .

                                                                                                                                والمستعير بالخيار إن شاء ضمن صاحب الأرض قيمة غرسه وبنائه قائما سليما وترك ذلك عليه ; لأنه لما وقت للعارية وقتا ثم أخرجه قبل الوقت فقد غره ، فصار كفيلا عنه فيما يلزمه من العهدة ، إذ ضمان الغرور كفالة فكان له أن يرجع عليه بالضمان ، ويملك صاحب الأرض البناء والغرس بأداء الضمان ; لأن هذا حكم المضمونات أنها تملك بأداء الضمان ، وإن شاء أخذ غرسه وبناءه ولا شيء على صاحب الأرض ثم إنما يثبت خيار القلع والنقض للمستعير إذا لم يكن القلع أو النقض مضرا بالأرض ، فإن كان مضرا بها فالخيار للمالك ; لأن الأرض أصل والبناء والغرس تابع لها ، فكان المالك صاحب أصل والمستعير صاحب تبع ، فكان إثبات الخيار لصاحب الأصل أولى إن شاء أمسك الغرس والبناء بالقيمة وإن شاء رضي بالقلع والنقض هذا إذا استعار أرضا للغرس أو البناء ، فأما إذا استعار أرضا للزراعة فزرعها ، ثم أراد صاحب الأرض أن يأخذها ، لم يكن له ذلك حتى يحصد الزرع ، بل يترك في يده إلى وقت الحصاد بأجر المثل استحسانا في القياس أن يكون له ذلك كما في البناء والغرس ووجه الفرق للاستحسان أن النظر من الجانبين ورعاية الحقين واجب عند الإمكان ، وذلك ممكن في الزرع ; لأن إدراك الزرع له وقت معلوم ، فيمكن النظر من الجانبين جانب المستعير لا شك فيه ، وجانب المالك بالترك إلى وقت الحصاد بالأجر ، ولا يمكن في الغرس والبناء ; لأنه ليس لذلك وقت معلوم ، فكان مراعاة صاحب الأصل أولى ، وقالوا في باب الإجارة : إذا انقضت المدة والزرع بقل لم يستحصد أنه يترك في يد المستأجر إلى وقت الحصاد بأجر المثل ، كما في العارية لما قلنا ، بخلاف باب الغصب ; لأن الترك للنظر ، والغاصب جان فلا يستحق النظر بل يجبر على القلع

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية