ذكر البساسيري أنفذ السلطان بعد استقرار الخليفة في داره جيشا عليهم قتل خمارتكين الطغرائي في ألفي فارس نحو الكوفة ، فأضاف إليهم سرايا ابن منيع الخفاجي ، وكان قد قال للسلطان : أرسل معي هذه العدة حتى أمضي إلى الكوفة ، وأمنع من الإصعاد إلى البساسيري الشام . وسار السلطان طغرلبك في أثرهم ، فلم يشعر دبيس بن مزيد إلا والسرية قد وصلت إليهم ثامن ذي الحجة من طريق والبساسيري الكوفة ، بعد أن نهبوها ، وأخذ نور الدولة دبيس رحله جميعه ، وأحدره إلى البطيخة ، وجعل أصحاب نور الدولة دبيس يرحلون بأهليهم فيمنعهم الأتراك ، فتقدم نور الدولة ليرد العرب إلى القتال ، فلم يرجعوا فمضى . [ ص: 161 ] ووقف في جماعته ، وحمل عليه الجيش ، فأسر من أصحابه البساسيري أبو الفتح بن ورام ، وأسر منصور وبدران وحماد ، بنو نور الدولة دبيس ، وضرب فرس بنشابة ، وأراد قطع تجفافه لتسهل عليه النجاة فلم ينقطع ، وسقط عن الفرس ، ووقع في وجهه ضربة ودل عليه بعض الجرحى ، فأخذه كمشتكين دواتي البساسيري وقتله ، وحمل رأسه إلى السلطان ودخل الجند في الظعن ، فساقوه جميعه وأخذت أموال عميد الملك الكندري أهل بغداذ وأموال مع نسائه وأولاده . وهلك من الناس الخلق العظيم ، وأمر السلطان بحمل رأس البساسيري إلى دار الخلافة ، فحمل إليها ووصل منتصف ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ، فنظف وغسل وجعل على قناة وطيف به . وصلب قبالة البساسيري باب النوبي .
وكان في أسر جماعة من النساء المتعلقات بدار الخلافة ، فأخذن ، وأكرمن وحملن إلى البساسيري بغداذ .
ومضى نور الدولة دبيس إلى البطيحة ومعه زعيم الملك أبو الحسن عبد الرحيم ، وكان من حق هذه الحوادث المتأخرة أن تذكر سنة إحدى وخمسين [ وأربعمائة ] ، وإنما ذكرناها هاهنا لأنها كالحادثة الواحدة يتلو بعضها بعضا .
وكان مملوكا تركيا من مماليك البساسيري تقلبت به الأمور حتى بلغ هذا المقام المشهور ، واسمه بهاء الدولة بن عضد الدولة أرسلان ، وكنيته أبو الحارث ، وهو منسوب إلى بسا مدينة بفارس والعرب تجعل عوض الباء فاء فتقول فسا ، والنسبة إليها فساوي ، ومنها ، وكان سيد هذا المملوك أولا من أبو علي الفارسي النحوي بسا ، فقيل له لذلك ، وجعل العرب الباء فاء فقيل البساسيري فساسيري .