الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك إبراهيم ينال قلعة كنكور وغيرها

في هذه السنة سار إبراهيم ينال إلى قلعة كنكور وبها عكبر بن فارس صاحب كرشاسف بن علاء الدولة يحفظها له ، فامتنع عكبر بها إلى أن فنيت ذخائره ، وكانت قليلة ، فلما نفدت الذخائر عمد إلى بيوت الطعام التي في القلعة وملأها ترابا وحجارة ، وسد أبوابها ، ونثر من داخل الأبواب شيئا من طعام ، وعلى رأس التراب والحجارة كذلك أيضا ، وراسل إبراهيم في تسليم القلعة إليه على أن يؤمنه على من بها من الرجال ، وما بها من الأموال ، فأرسل إليه إبراهيم يمتنع عليه من ترك المال ، فأخذ عكبر رسول إبراهيم فطوفه على البيوت التي فيها الطعام ، وفتح مواضع من المسدود ، فرآها مملوءة فظنها طعاما ، وقال له عكبر‏ : ‏ ما راسلت صاحبك خوفا من المطاولة ، ولا إشفاقا من ناد الميرة ، لكنني أحببت الدخول في طاعته ، فإن بذل لي الأمان على ما طلبته لي وللأمير كرشاسف وأمواله ولمن بالقلعة - سلمت إليه ، وكفيته مؤونة المقام .

فلما عاد الرسول إلى إبراهيم وأخبره أجابه إلى ما طلب ، ونزل عكبر وتسلمها إبراهيم ، فلما صعد إلى القلعة انكشفت الحيلة ، وسار عكبر بمن معه إلى قلعة سرماج ، وصعد إليها‏ .

ولما ملك ينال كنكور عاد إلى همذان ، فسير جيشا لأخذ قلاع سرخاب ، واستعمل عليهم نسيبا له اسمه أحمد ، وسلم إليه سرخابا ليفتح به قلاعه ، فسار به إلى قلعة كلكان ، فامتنعت عليه ، فساروا إلى قلعة دزديلوية فحصروها ، وامتدت طائفة منهم إلى البندنيجين فنهبوها في جمادى الآخرة ، وفعلوا الأفاعيل القبيحة من النهب والقتل وافتراش النساء والعقوبة على تخليص الأموال ، فمات منهم جماعة لشدة الضرب .

[ ص: 62 ] وسارت طائفة منهم إلى أبي الفتح بن ورام ، فانصرف عنهم خوفا منهم ، وترك حلله بحالها ، وقصد أن يشتغلوا بنهب حلله فيعود عليهم ، فلم يعرجوا على النهب وتبعوه ، فلشدة خوفه أن يظفروا به ويأخذوه قاتلهم ، فظفر بهم ، وقتل وأسر جماعة منهم ، وغنم ما معهم ، ورجع الباقون ، وأرسل إلى بغداذ يطلب نجدة خوفا من عودهم ، فلم ينجدوه لعدم الهيبة وقلة إمساك الأمر ، فعبر بنو ورام دجلة إلى الجانب الغربي‏ .

ثم إن الغز أسروا إلى سعدي بن أبي الشوك في رجب وهو نازل على فرسخين من باجسرى ، وكبسوه فانهزم هو ومن معه لا يلوي الآخر على أخيه ، ولا الوالد على ولده ، فقتل منهم خلق كثير ، وغنم الغز أموالهم ، ونهبوا تلك الأعمال ، وكان سعدي قد أنزل مالا من قلعة السيروان ، فوصله تلك الليلة ، فغنمه الغز إلا قليلا منه سلم معه ، ونجا سعدي من الوقعة بجريعة الذقن ، ونهب الغز الدسكرة ، وباجسرى ، والهارونية ، وقصر سابور ، وجميع تلك الأعمال .

ووصل الخبر إلى بغداذ بأن إبراهيم ينال عازم على قصد بغداذ ، فارتاع الناس ، واجتمع الأمراء والقواد إلى الأمير أبي منصور ابن الملك أبي كاليجار ليجتمعوا ويسيروا إليه ويمنعوه ، واتفقوا على ذلك ، فلم يخرج غير خيم الأمير أبي منصور والوزير ونفر يسير ، وتخلف الباقون ، وهلك من أهل تلك النواحي المنهوبة خلق كثير ، فمنهم من قتل ، ومنهم من غرق ، ومنهم من قتله البرد‏ .

ووصل سعدي إلى ديالى ، ثم سار منها إلى أبي الأغر دبيس بن مزيد فأقام عنده‏ . ‏ ثم إن إبراهيم ينال سار إلى السيروان ، فحصر القلعة ، وضيق على من بها ، وأرسل سرية نهبت البلاد ، وانتهت إلى مكان بينه وبين تكريت عشرة فراسخ ، ودخل بغداذ من أهل طريق خراسان خلق كثير ، وذكروا من حالهم ما أبكى العيون ، ثم سلمها إليه مستحفظها ، بعد أن أمنه على نفسه وماله ، وأخذ منها ينال من بقايا ما خلفه سعدي شيئا كثيرا ، ولما فتحها استخلف فيها مقدما كبيرا من أصحابه يقال له [ ص: 63 ] سخت كمان ، وانصرف إلى حلوان ، وعاد منها إلى همذان ، ومعه بدر ومالك ابنا مهلهل ، فأكرمهما‏ .

ثم إن صاحب قلعة سرماج توفي ، وهو من ولد بدر بن حسنويه ، وسلمت القلعة بعده إلى إبراهيم ينال ، وسير إبراهيم ينال وزيره إلى شهرزور ، فأخذها وملكها ، فهرب منه مهلهل ، فأبعد في الهرب‏ .

ثم نزل أحمد على قلعة تيرانشاه وحاصرها ، ونقب عليها عدة نقوب ، ثم إن مهلهلا راسل أهل شهرزور يعدهم بالمسير إليهم في جمع كثير ، ويأمرهم بالوثوب بمن عندهم من الغز ، ففعلوا وقتلوا منهم ، وسمع أحمد بن طاهر فعاد إليهم وأوقع بهم ونهبهم ، وقتل كثيرا منهم .

ثم إن الغز المقيمين بالبندنيجين ومن معهم ساروا إلى براز الروز ، وتقدموا إلى نهر السليل ، فاقتتلوا هم وأبو دلف القاسم بن محمد الجاواني قتالا شديدا ظفر فيه أبو دلف ، وانهزم الغز وأخذ ما معهم .

وسار في ذي الحجة جمع من الغز إلى بلد علي بن القاسم الكردي ، فأغاروا وعاثوا ، فأخذ عليهم المضيق ، وأوقع بهم وقتل كثيرا منهم ، وارتجع ما غنموه من بلده .

التالي السابق


الخدمات العلمية