ذكر الملك رضوان وأخيه دقاق بعد قتل أبيهما حال
كان قد أوصى أصحابه بطاعة ابنه تاج الدولة تتش الملك رضوان ، وكتب إليه من بلد الجبل ، قبل المصاف الذي قتل فيه ، يأمره أن يسير إلى العراق ، ويقيم بدار المملكة ، فسار في عدد كثير منهم : ، وكان قد سار إلى إيلغازي بن أرتق تتش ، فتركه عند ابنه رضوان ، ومنهم : الأمير وثاب بن محمود بن صالح بن مرداس ، وغيرهما ، فلما قارب هيت بلغه قتل أبيه ، فعاد إلى حلب ، ومعه والدته ، فملكها ، وكان بها أبو القاسم الحسن بن علي الخوارزمي ، قد سلمها إليه تتش وحكمه في البلد والقلعة .
ولحق برضوان - زوج أمه جناح الدولة الحسين بن أيتكين ، وكان مع تتش ، فسلم من المعركة ، وكان مع رضوان أيضا أخواه الصغيران : أبو طالب وبهرام ، وكانوا كلهم مع أبي القاسم كالأضياف لتحكمه في البلد ، واستمال جناح الدولة المغاربة ، وكانوا أكثر جند القلعة ، فلما انتصف الليل نادوا بشعار الملك رضوان ، واحتاطوا على أبي القاسم ، وأرسل إليه رضوان يطيب قلبه ، فاعتذر ، فقبل عذره ، وخطب لرضوان على منابر حلب وأعمالها ، ولم يكن يخطب له بل كانت الخطبة لأبيه ، بعد قتله ، نحو شهرين .
وسار جناح الدولة في تدبير المملكة سيرة حسنة ، وخالف عليهم الأمير ياغي [ ص: 392 ] سيان بن محمد بن ألب التركماني ، صاحب أنطاكية ، ثم صالحهم ، وأشار على الملك رضوان بقصد ديار بكر ، لخلوها من وال يحفظها ، فساروا جميعا ، وقدم عليهم أمراء الأطراف الذين كان تتش رتبهم فيها ، وقصدوا سروج فسبقهم إليها الأمير جد أصحاب الحصن اليوم ، وأخذها ، ومنعهم عنها ، وأمر أهل البلد فخرجوا إلى سقمان بن أرتق رضوان ، وتظلموا إليه من عساكره ، وما يفسدون من غلاتهم ، ويسألونه الرحيل ، فرحل عنهم إلى الرها .
وكان بها رجل من الروم يقال له الفارقليط ، وكان يضمن البلد من بوزان ، فقاتل المسلمين بمن معه ، واحتمى بالقلعة ، وشاهدوا من شجاعته ما لم يكونوا يظنونه ، ثم ملكها رضوان ، وطلب ياغي سيان القلعة من رضوان ، فوهبها له ، فتسلمها وحصنها ، ورتب رجالها ، وأرسل إليهم أهل حران يطلبونهم ليسلموا إليهم حران ، فسمع ذلك قراجة أميرها ، فاتهم ابن المفتي ، وكان ابن المفتي هذا قد اعتمد عليه تتش في حفظ البلد ، فأخذه ، وأخذ معه بني أخيه ، فصلبهم .
ووصل الخبر إلى رضوان ، وقد اختلف جناح الدولة ، وياغي سيان ، وأضمر كل واحد منهما الغدر بصاحبه ، فهرب جناح الدولة إلى حلب ، فدخلها ، واجتمع بزوجته أم الملك رضوان ، وسار رضوان ، وياغي سيان ، فعبرا الفرات إلى حلب ، فسمعا بدخول جناح الدولة إليها ، ففارق ياغي سيان الملك رضوان ، وسار إلى أنطاكية ، ومعه أبو القاسم الخوارزمي ، وسار رضوان إلى حلب .
وأما فإنه كان قد سيره أبوه إلى عمه السلطان دقاق بن تتش ملكشاه ببغداذ ، وخطب له ابنة السلطان ، وسار بعد وفاة السلطان مع خاتون الجلالية وابنها محمود إلى أصبهان ، وخرج إلى السلطان بركيارق سرا ، وصار معه ، ثم لحق بأبيه ، وحضر معه الوقعة التي قتل فيها .
[ ص: 393 ] فلما قتل أبوه أخذه غلام لأبيه اسمه أيتكين الحلبي ، وسار به إلى حلب ، وأقام عند أخيه الملك رضوان ، فراسله الأمير ساوتكين الخادم الوالي بقلعة دمشق سرا ، يدعوه ليملكه دمشق ، فهرب من حلب سرا ، وجد في السير ، فأرسل أخوه رضوان عدة من الخيالة ، فلم يدركوه ، فلما وصل إلى دمشق فرح به الخادم ، وأظهر الاستبشار ، ولقيه ، فلما دخلها أرسل إليه ياغي سيان يشير عليه بالتفرد بملك دمشق عن أخيه رضوان .
واتفق وصول معتمد الدولة طغدكين إلى دمشق ، ومعه جماعة من خواص تتش وعسكره ، وقد سلموا ، فإنه كان قد شهد الحرب مع صاحبه ، وأسر ، فبقي إلى الآن ، وخلص من الأسر ، فلما وصل إلى دمشق لقيه وأرباب دولته ، وبالغوا في إكرامه ، وكان زوج والدة الملك دقاق دقاق فمال إليه لذلك ، وحكمه في بلاده ، وعملوا على قتل الخادم ساوتكين ، فقتلوه ، وسار إليهم ياغي سيان من أنطاكية ، ومعه أبو القاسم الخوارزمي ، فجعله وزيرا لدقاق ، وحكمه في دولته .