ذكر ملك كربوقا الموصل
في هذه السنة في ذي القعدة ، ملك قوام الدولة أبو سعيد كربوقا مدينة الموصل ، وقد ذكرنا أن أسره لما قتل تاج الدولة تتش آقسنقر وبوزان ، فلما أسره أبقى عليه ، طمعا في استصلاح حميه الأمير أنر ، ولم يكن له بلد يملكه إذا قتله ، كما فعل بالأمير بوزان ، فإنه قتله واستولى على بلاده الرها وحران .
ولم يزل قوام الدولة محبوسا بحلب إلى أن قتل تتش ، وملك ابنه الملك رضوان حلب ، فأرسل السلطان بركيارق رسولا يأمره بإطلاق أخيه التونتاش ، [ ص: 403 ] فلما أطلقا سارا واجتمع عليهما كثير من العساكر البطالين ، فأتيا حران فتسلماها ، وكاتبهما محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش ، وهو بنصيبين ، ومعه ثروان بن وهيب ، وأبو الهيجاء الكردي ، يستنصرون بهما على الأمير علي بن شرف الدولة ، وكان بالموصل قد جعله بها بعد وقعة المضيع . تاج الدولة تتش
فسار كربوقا إليهم ، فلقيه محمد بن شرف الدولة على مرحلتين من نصيبين ، واستخلفهما لنفسه ، فقبض عليه كربوقا بعد اليمين ، وحمله معه ، وأتى نصيبين ، فامتنعت عليه ، فحصرها أربعين يوما ، وتسلمها ، وسار إلى الموصل فحصرها ، فلم يظفر منها بشيء ، فسار عنها إلى بلد ، وقتل بها محمد بن شرف الدولة ، وغرقه ، وعاد إلى حصار الموصل ، ونزل على فرسخ منها بقرية باحلافة ، وترك التونتاش شرقي الموصل ، فاستنجد صاحبها بالأمير علي بن مسلم جكرمش ، صاحب جزيرة ابن عمر ، فسار إليه نجدة له ، فلما علم التونتاش بذلك سار إلى طريقه ، فقاتله ، فانهزم جكرمش ، وعاد إلى الجزيرة منهزما ، وصار في طاعة كربوقا ، وأعانه على حصر الموصل ، وعدمت الأقوات بها ، وكل شيء ، حتى ما يوقدونه ، فأوقدوا القير ، وحب القطن .
فلما ضاق بصاحبها علي الأمر فارقها وسار إلى صدقة بن مزيد بالحلة ، وتسلم كربوقا البلد بعد أن حصره تسعة أشهر ، وخافه أهله لأنهم بلغهم أن التونتاش يريد نهبهم ، وأن كربوقا يمنعه من ذلك ، فاشتغل التونتاش بالقبض على أعيان البلد ، ومطالبتهم بودائع البلد ، واستطال على كربوقا ، فأمر بقتله ، فقتل في اليوم الثالث ، وأمن الناس شره ، وأحسن كربوقا السيرة فيهم ، وسار نحو الرحبة ، فمنع عنها ، فملكها ونهبها واستناب بها وعاد .