ذكر الفرنج معرة النعمان ملك
لما فعل الفرنج بالمسلمين ما فعلوا ساروا إلى معرة النعمان ، فنازلوها ، وحصروها ، وقاتلهم أهلها قتالا شديدا ، ورأى الفرنج منهم شدة ونكاية ، ولقوا منهم الجد في حربهم ، والاجتهاد في قتالهم ، فعملوا عند ذلك برجا من خشب يوازي سور المدينة ، ووقع القتال عليه ، فلم يضر المسلمين ذلك ، فلما كان الليل خاف قوم من المسلمين ، وتداخلهم الفشل والهلع ، وظنوا أنهم إذا تحصنوا ببعض الدور الكبار امتنعوا بها ، فنزلوا من السور وأخلوا الموضع الذي كانوا يحفظونه ، فرآهم طائفة أخرى ، ففعلوا كفعلهم ، فخلا مكانهم أيضا من السور .
( ولم تزل تتبع طائفة منهم التي تليها في النزول ، حتى خلا السور ، فصعد الفرنج إليه على السلاليم ، فلما علوه تحير المسلمون ) ، ودخلوا دورهم ، فوضع الفرنج فيهم السيف ثلاثة أيام ، فقتلوا ما يزيد على مائة ألف ، وسبوا السبي الكثير ، وملكوه ، وأقاموا أربعين يوما ، وساروا إلى عرقة فحصروها أربعة أشهر ، ونقبوا سورها عدة نقوب ، فلم يقدروا عليها ، وراسلهم منقذ ، صاحب شيزر ، فصالحهم عليها ، وساروا إلى حمص وحصروها ، فصالحهم صاحبها جناح الدولة ، وخرجوا على طريق النواقير إلى عكا ، فلم يقدروا عليها .