ذكر كربوقا وملك موسى التركماني الموصل وجكرمش بعده وملك سقمان الحصن وفاة
في هذه السنة ، في ذي القعدة ، توفي قوام الدولة كربوقا ، عند مدينة خوي ، وكان قد أرسله في العام الماضي إلى السلطان بركيارق أذربيجان ، كما ذكرناه ، فاستولى على أكثرها وأتى إلى خوي ، فمرض بها ثلاثة عشر يوما ، وكان معه أصبهبذ صباوة بن خمارتكين ، وسنقرجه ، فوصى إلى سنقرجه ، وأمر الأتراك بطاعته ، وأخذ له على عسكره العهد ، ومات على أربعة فراسخ من خوي ، ولف في زلية لعدم ما يكفن فيه ودفن بخوي .
وسار سنقرجه وأكثر العسكر إلى الموصل ، فتسلمها ، فأقام بها ثلاثة أيام ، وكان [ ص: 472 ] أعيان الموصل قد كاتبوا موسى التركماني ، وهو بحصن كيفا ينوب عن كربوقا فيها ، وسألوه أن يبادر إليهم ليسلموا إليه البلد ، فسار مجدا ، فسمع سنقرجه بوصوله ، فظن أنه جاء إليه خدمة له ، فخرج ليستقبله في أهل البلد ، فلما تقاربا نزل كل واحد منهما لصاحبه عن فرسه ، واعتنقه ، وبكيا على قوام الدولة ، فتسايرا .
فقال سنقرجه لموسى في جملة حديثه : أنا مقصودي من جميع ما كان لصاحبنا المخدة ، والمنصب ، والأموال ، والولايات لكم وبحكمكم .
فقال موسى : من نحن حتى يكون لنا مناصب ودسوت ؟ الأمر في هذا إلى السلطان يرتب فيه من يريد ، ويولي من يختار .
وجرى بينهما محاورات ، فجذب سنقرجه سيفه وضربه صفحا على رأسه فجرحه ، فألقى موسى نفسه إلى الأرض ، وجذب سنقرجه فألقاه إلى الأرض ، وكان مع موسى ولد منصور بن مروان الذي كان أبوه صاحب ديار بكر ، فجذب سكينا وضرب بها رأس سنقرجه فأبانه ، ودخل موسى البلد ، وخلع على أصحاب سنقرجه ، وطيب نفوسهم فصارت الولاية له .
ولما سمع شمس الدولة جكرمش ، صاحب جزيرة ابن عمر ، الخبر قصد نصيبين وتسلمها ، وسار موسى قاصدا الجزيرة ، فلما قارب جكرمش غدر بموسى عسكره ، وصاروا مع جكرمش ، فعاد موسى إلى الموصل ، وقصده جكرمش ، وحصره مدة طويلة ، فاستعان موسى بالأمير سقمان بن أرتق وهو يومئذ بديار بكر ، وأعطاه حصن كيفا وعشرة آلاف دينار ، فسار سقمان إليه ، فرحل جكرمش عنه .
وخرج موسى لاستقبال سقمان ، فلما كان موسى عند قرية تسمى كراثا ، وثب عليه عدة من الغلمان القوامية ، فقتلوه : رماه أحدهم بنشابة فقتله ، فعاد أصحابه منهزمين ، ودفن على تل هناك يعرف الآن بتل موسى ، ورجع الأمير سقمان إلى الحصن ، فملكها وهي بيد أولاده إلى يومنا هذا ، سنة عشرين وستمائة ، وصاحبها حينئذ غازي بن قرا أرسلان بن داود بن سقمان بن أرتق .
[ ص: 473 ] وقصد جكرمش الموصل وحصرها أياما ، ثم تسلمها صلحا ، وأحسن السيرة فيها ، وأخذ القوامية الذين قتلوا موسى ، فقتلهم واستولى بعد ذلك على الخابور ، وملك العرب والأكراد ، فأطاعوه .