[ ص: 493 ] ذكر السلطان بركيارق ومحمد الصلح بين
في هذه السنة ، في ربيع الآخر ، وقع الصلح بين السلطانين بركيارق . ومحمد ابني ملكشاه
وكان سببه أن الحروب تطاولت بينهما ، وعم الفساد ، فصارت الأموال منهوبة ، والدماء مسفوكة ، والبلاد مخربة ، والقرى محرقة ، والسلطنة مطموعا فيها ، محكوما عليها ، وأصبح الملوك مقهورين ، بعد أن كانوا قاهرين ، وكان الأمراء الأكابر يؤثرون ذلك ويختارونه ليدوم تحكمهم ، وانبساطهم ، وإدلالهم .
وكان حينئذ السلطان بركيارق بالري والخطبة له بها ، وبالجبل ، وطبرستان ، وخوزستان ، وفارس ، وديار بكر ، والجزيرة ، وبالحرمين الشريفين .
وكان السلطان محمد بأذربيجان ، والخطبة له فيها ، وببلاد أرانية ، وأرمينية ، وأصبهان ، والعراق ، كلها ما عدا تكريت .
وأما أعمال البطائح فيخطب ببعضها لبركيارق ، وببعضها لمحمد .
وأما البصرة فكان يخطب فيها لهما جميعا .
وأما خراسان فإن السلطان سنجر كان يخطب له في جميعها ، وهي من حدود جرجان إلى ما وراء النهر ، ولأخيه السلطان محمد .
فلما رأى المال عنده معدوما ، والطمع من العسكر زائدا ، أرسل السلطان بركيارق القاضي أبا المظفر الجرجاني الحنفي ، وأبا الفرج أحمد بن عبد الغفار الهمذاني ، المعروف بصاحب قراتكين ، إلى أخيه محمد في تقرير قواعد الصلح ، فسار إليه ، وهو بالقرب من مراغة ، فذكرا له ما أرسلا فيه ، ورغباه في الصلح وفضيلته ، وما شمل البلاد من الخراب ، وطمع عدو الإسلام في أطراف الأرض ، فأجاب إلى ذلك ، وأرسل فيه رسلا ، واستقر الأمر ، وحلف كل واحد منهما لصاحبه ، وتقررت القاعدة : أن لا يعترض أخاه السلطان بركيارق محمدا في الطبل ، وأن لا يذكر معه على سائر البلاد التي صارت له ، وأن لا يكاتب أحدهما الآخر بل تكون المكاتبة من الوزيرين ، ولا يعارض أحد من العسكر في قصد أيهما شاء ، وأن يكون للسلطان محمد من النهر المعروف [ ص: 494 ] بإسبيذروذ ، إلى باب الأبواب ، وديار بكر ، والجزيرة ، والموصل ، والشام ، ويكون له من بلاد العراق بلاد . سيف الدولة صدقة
فأجاب بركيارق إلى هذا ، وزال الخلف ، والشغب ، وأرسل السلطان محمد إلى أصحابه بأصبهان يأمرهم بالانصراف عن البلد ، وتسليمه إلى أصحاب أخيه ، وسار إلى السلطان بركيارق أصبهان ، فلما سلمها إليه أصحاب أخيه دعاهم إلى أن يكونوا معه ، وفي خدمته ، فامتنعوا ، ورأوا لزوم خدمة صاحبهم ، فسماهم أهل العسكرين جميعا : أهل الوفاء ، وتوجهوا من أصبهان ، ومعهم حريم السلطان محمد ، إليه ، وأكرمهم بركيارق ، وحمل لأهل أخيه المال الكثير ، ومن الدواب ثلاثمائة جمل ، ومائة وعشرين بغلا ، تحمل الثقل ، وسير معهم العساكر يخدمونهم .
ولما وصلت رسل إلى الخليفة السلطان بركيارق بالصلح ، وما استقرت القواعد عليه ، حضر المستظهر بالله بالديوان ، وسأل في إقامة الخطبة إيلغازي لبركيارق ، فأجيب إلى ذلك ، وخطب له بالديوان يوم الخميس تاسع عشر جمادى الأولى ، وخطب له ، من الغد ، بالجوامع ، وخطب له أيضا بواسط .
ولما خطب إيلغازي ببغداذ لبركيارق ، وصار في جملته ، أرسل الأمير صدقة إلى الخليفة يقول : كان أمير المؤمنين ينسب إلي كل ما يتجدد من من إخلال بواجب الخدمة ، وشرط الطاعة ، ومن اطراح المراقبة ، والآن ، فقد أبدى صفحته للسلطان الذي استنابه ، وأنا غير صابر على ذلك ، بل أسير لإخراجه عن إيلغازي بغداذ .
فلما سمع ذلك شرع في جمع إيلغازي التركمان ، وورد صدقة بغداذ ، فنزل مقابل التاج ، وقبل الأرض ، ونزل في مخيمه بالجانب الغربي ، ففارق إيلغازي بغداذ إلى بعقوبا ، وأرسل إلى صدقة يعتذر عن طاعته لبركيارق بالصلح الواقع ، وأن إقطاعه حلوان وغيرها في جملة بلاده ، وأن بغداذ التي هو شحنة فيها قد صارت له ، فذلك الذي أدخله في طاعته . فرضي عنه صدقة ، وعاد إلى الحلة .
[ ص: 495 ] وفي ذي القعدة سيرت الخلع من الخليفة للسلطان بركيارق ، وللأمير إياز ، ولوزير بركيارق ، وهو الخطير ، والعهد بالسلطنة ، وحلفوا جميعهم للخليفة وعادوا .