ذكر الفرنج والمسلمين بإفريقية الحرب بين
قد ذكرنا أن الأمير علي بن يحيى ، صاحب إفريقية ، لما استوحش من رجار صاحب صقلية ، جدد الأسطول الذي له ، وكثر عدده ، وكاتب أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بمراكش بالاجتماع معه على قصد جزيرة صقلية ، فلما علم رجار ذلك كف عن بعض ما كان يفعله .
فاتفق أن عليا مات سنة خمس عشرة وخمسمائة ، وولي ابنه الحسن ، وقد ذكرناه . فلما دخلت سنة ست عشرة وخمسمائة سير أمير المسلمين أسطولا ، ففتحوا نقوطرة بساحل بلاد قلورية ، فلم يشك رجار أن عليا كان سبب ذلك ، فجد في تعمير الشواني والمراكب ، وحشد فأكثر ، ومنع من السفر إلى إفريقية وغيرها من بلاد الغرب ، فاجتمع له من ذلك ما لم يعهد مثله ، قيل : كان ثلاثمائة قطعة ، فلما انقطعت الطريق عن إفريقية توقع الأمير الحسن بن علي خروج العدو إلى المهدية ، فأمر باتخاذ العدد ، ، وتجديد الأسوار ، وجمع المقاتلة ، فأتاه من أهل البلاد ومن العرب جمع كثير .
[ ص: 687 ] فلما كان في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وخمسمائة سار الأسطول الفرنجي في ثلاثمائة قطعة ، فيها ألف فرس وفرس واحد ، إلا أنهم لما ساروا من مرسى علي فرقتهم الريح ، وغرق منهم مراكب كثيرة ، ونازل من سلم منهم جزيرة قوصرة ففتحوها ، وقتلوا من بها ، وسبوا وغنموا ، وساروا عنها ، فوصلوا إلى إفريقية ، ونازلوا الحصن المعروف بالديماس أواخر جمادى الأولى ، فقاتلهم طائفة من العرب كانوا هناك والديماس حصن منيع ، في وسطه حصن آخر ، وهو مشرف على البحر .
وسير الحسن من عنده من الجموع إلى الفرنج ، وأقام هو بالمهدية في جمع آخر يحفظها ، وأخذ الفرنج حصن الديماس ، وجنود المسلمين محيطة بهم ، فلما كان بعد ليال اشتد القتال على الحصن الداخل ، فلما كان الليل صاح المسلمون صيحة عظيمة ارتجت لها الأرض ، وكبروا ، فوقع الرعب في قلوب الفرنج ، فلم يشكوا أن المسلمين يهجمون عليهم ، فبادروا إلى شوانيهم ، وقتلوا بأيديهم كثيرا من خيولهم ، وغنم المسلمون منها أربعمائة فرس ، ولم يسلم معهم غير فرس واحد ، وغنم المسلمون جميع ما تخلف عن الفرنج ، وقتلوا كل من عجز عن الطلوع إلى المراكب .
فلما صعد الفرنج إلى مراكبهم أقاموا بها ثمانية أيام لا يقدرون على النزول إلى الأرض ، فلما أيسوا من خلاص أصحابهم الذين في الديماس ساروا والمسلمون يكبرون عليهم ويصيحون بهم ، وأقامت عساكر المسلمين على حصن الديماس في أمم لا يحصون كثرة ، فحصروه ، فلم يمكنهم فتحه لحصانته وقوته ، فلما عدم الماء على من به من الفرنج ، وضجروا من مواصلة القتال ليلا ونهارا ، فتحوا باب الحصن وخرجوا ، فقتلوا عن آخرهم ، وذلك يوم الأربعاء منتصف جمادى الآخرة من السنة ، وكانت مدة إقامتهم في الحصن ستة عشر يوما .
ولما رجع الفرنج مقهورين أرسل الأمير الحسن البشرى إلى سائر البلاد ، وقال الشعراء في هذه الحادثة فأكثروا ، تركنا ذلك خوف التطويل .