[ ص: 704 ] ذكر البرسقي وملك ابنه عز الدين مسعود قتل
في هذه السنة ، ثامن ذي القعدة ، قتل ، صاحب قسيم الدولة آقسنقر البرسقي الموصل ، بمدينة الموصل ، قتلته الباطنية يوم جمعة بالجامع ، وكان يصلي الجمعة مع العامة ، وكان قد رأى تلك الليلة في منامه أن عدة من الكلاب ثارت به ، فقتل بعضها ، ونال منه الباقي ما آذاه ، فقص رؤياه على أصحابه ، فأشاروا عليه بترك الخروج من داره عدة أيام ، فقال : لا أترك الجمعة لشيء أبدا ، فغلبوا على رأيه ، ومنعوه من قصد الجمعة ، فعزم على ذلك ، فأخذ المصحف يقرأ فيه ، فأول ما رأى : وكان أمر الله قدرا مقدورا ، فركب إلى الجامع على عادته ، وكان يصلي في الصف الأول ، فوثب عليه بضعة عشر نفسا عدة الكلاب التي رآها ، فجرحوه بالسكاكين ، فجرح هو بيده منهم ثلاثة ، وقتل رحمه الله .
وكان مملوكا تركيا ، خيرا ، يحب أهل العلم والصالحين ، ويرى العدل ويفعله ، وكان من خير الولاة يحافظ على الصلوات في أوقاتها ، ويصلي من الليل متهجدا .
حكى لي والدي ، رحمه الله ، عن بعض من كان يخدمه قال : كنت فراشا معه ، فكان يصلي كل ليلة كثيرا ، وكان يتوضأ هو بنفسه ، ولا يستعين بأحد ، ولقد رأيته في بعض ليالي الشتاء بالموصل ، وقد قام من فراشه ، وعليه فرجية صغيرة وبر ، وبيده إبريق ، فمشى نحو دجلة ليأخذ ماء ، فمنعني البرد من القيام ، ثم إنني خفته ، فقمت إلى بين يديه لآخذ الإبريق منه ، فمنعني وقال : يا مسكين ! ارجع إلى مكانك ، فإنه برد ، فاجتهدت لآخذ الإبريق ، فلم يعطني ، وردني إلى مكاني ثم توضأ وقام يصلي .
ولما قتل كان ابنه عز الدين مسعود بحلب يحفظها من الفرنج ، فأرسل إليه أصحاب أبيه بالخبر ، فسار إلى الموصل ودخلها أول ذي الحجة ، وأحسن إلى أصحاب أبيه بها ، وأقر وزيره المؤيد أبا غالب بن عبد الخالق بن عبد الرزاق على وزارته ، وأطاعه الأمراء والأجناد ، وانحدر إلى خدمة السلطان محمود ، فأحسن إليه وأعاده ، ولم يختلف عليه أحد من أهل بلاد أبيه .
[ ص: 705 ] ووقع البحث عن حال الباطنية ، والاستقصاء عن أخبارهم ، فقيل إنهم كانوا يجلسون إلى إسكاف بدرب إيليا ، فأحضر ووعد الإحسان إن أقر ، فلم يقر ، فهدد بالقتل ، فقال : إنهم وردوا من سنين لقتله ، فلم يتمكنوا منه إلى الآن ، فقطعت يداه ورجلاه وذكره ، ورجم بالحجارة فمات .
ومن العجب أن صاحب أنطاكية أرسل إلى عز الدين بن البرسقي يخبره بقتل والده قبل أن يصل إليه الخبر ، وكان قد سمعه الفرنج قبله لشدة عنايتهم بمعرفة الأحوال الإسلامية .
ولما استقر عز الدين في الولاية قبض على الأمير بابكر بن ميكائيل ، وهو من أكابر الأمراء ، وطلب منه أن يسلم ابن أخيه قلعة إربل إلى الأمير فضل وأبي علي ، ابني أبي الهيجاء ، وكان ابن أخيه قد أخذها منه سنة سبع عشرة وخمسمائة ، فراسل ابن أخيه ، فسلم إربل إلى المذكورين .