ذكر حصر  المسترشد بالله  الموصل   
في هذه السنة ( 527 ) حصر  المسترشد بالله  مدينة الموصل  في العشرين من شهر رمضان ، وسبب ذلك ما تقدم من قصد  الشهيد زنكي  بغداد  على ما ذكرناه قبل ، فلما كان الآن قصد جماعة من الأمراء السلجوقية  باب  المسترشد بالله  ، وصاروا معه فقوي بهم . 
واشتغل السلاطين السلجوقية  بالخلف الواقع بينهم ، فأرسل الخليفة الشيخ  بهاء الدين أبا الفتوح الإسفراييني  الواعظ إلى  عماد الدين زنكي  برسالة فيها خشونة ، وزادها  أبو الفتوح  زيادة ثقة بقوة الخليفة وناموس الخلافة ، فقبض عليه  عماد الدين زنكي  ، وأهانه ولقيه بما يكره ، فأرسل  المسترشد بالله  إلى  السلطان مسعود  يعرفه الحال الذي جرى من  زنكي  ، ويعلمه أنه على قصد الموصل  وحصرها ، وتمادت الأيام إلى شعبان ، فسار عن بغداد  في النصف منه في ثلاثين ألف مقاتل . 
فلما قارب الموصل  فارقها أتابك  زنكي  في بعض عسكره ، وترك الباقي بها مع نائبه  نصير الدين جقر  دزدارها والحاكم في دولته وأمرهم بحفظها ، ونازلها الخليفة وقاتلها وضيق على من بها ، وأما  عماد الدين  فإنه سار إلى  سنجار  وكان يركب كل ليلة ويقطع الميرة عن العسكر ، ومتى ظفر بأحد من العسكر أخذه ونكل به . 
وضاقت الأمور بالعسكر أيضا ، وتواطأ جماعة من الجصاصين بالموصل  على تسليم البلد ، فسعي بهم فأخذوا وصلبوا . 
 [ ص: 46 ] وبقي الحصار على الموصل  نحو ثلاثة أشهر ، ولم يظفر منها بشيء ، ولا بلغه عمن بها وهن ولا قلة ميرة وقوت ، فرحل عنها عائدا إلى بغداد  ، فقيل : إن نظر الخادم وصل إليه عسكر السلطان ، وأبلغه عن  السلطان مسعود  ما أوجب مسيره ، وعوده إلى بغداد  ، وقيل : بل بلغه أن  السلطان مسعودا  عزم على قصد العراق  فعاد بالجملة ، وأنه رحل عنها منحدرا في شبارة في دجلة  فوصل إلى بغداد  يوم عرفة . 
				
						
						
