ذكر حصار الطائف   
لما قدم المنهزمون من ثقيف  ومن انضم إليهم من غيرهم إلى الطائف  أغلقوا عليهم مدينتهم ، واستحصروا ، وجمعوا ما يحتاجون إليه . فسار إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان ببحرة الرغاء  قبل وصوله إلى الطائف  قتل بها رجلا من بني ليث  قصاصا ، كان قد قتل رجلا من هذيل  فأمر بقتله ، وهو أول دم أقيد به في الإسلام ، وسار إلى ثقيف  فحصرهم بالطائف  نيفا وعشرين يوما ، ونصب عليهم منجنيقا أشار به   سلمان الفارسي  ، وقاتلهم قتالا شديدا ، حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف  ، دخل نفر من المسلمين تحت دبابة عملوها ، ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف  ، فأرسلت عليهم ثقيف  سكك الحديد المحماة ، فخرجوا من تحتها ، فرماهم من بالطائف  بالنبل فقتلوا رجالا . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع أعناب ثقيف  ، فقطعت . ونزل إلى رسول الله نفر من رقيق أهل الطائف   [ ص: 138 ] فأعتقهم ، منهم   أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة  ، وإنما قيل له :  أبو بكرة  ببكرة نزل فيها ، وغيره . فلما أسلم أهل الطائف  تكلمت سادات أولئك العبيد في أن يردهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرق فقال : لا أفعل ، أولئك عتقاء الله . 
ثم إن خويلة بنت حكيم السلمية  ، وهي امرأة   عثمان بن مظعون  ، قالت : يا رسول الله ، أعطني إن فتح الله عليك الطائف  حلي بادية بنت غيلان  ، أو حلي الفارعة بنت عقيل  ، وكانتا من أكثر النساء حليا . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن كان لم يؤذن لي في ثقيف  يا خويلة  ؟ فخرجت فذكرت ذلك   لعمر بن الخطاب     . فدخل عليه  عمر  وقال : يا رسول الله ، ما حديث حدثتنيه خويلة  أنك قد قلته ؟ قال : قد قلته . قال : أفلا أؤذن بالرحيل يا رسول الله ؟ قال : بلى ، فأذن بالرحيل . 
وقيل : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشار  نوفل بن معاوية الدثلي  في المقام عليهم . فقال : يا رسول الله ، ثعلب في جحر ، إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرك ، فأذن بالرحيل . فلما رجع الناس قال رجل : يا رسول الله ، ادع على ثقيف    . قال : اللهم اهد ثقيفا وأت بهم   . فلما رأت ثقيف  الناس قد رحلوا عنهم نادى  سعيد بن عبيد الثقفي     : ألا إن الحي مقيم . فقال  عيينة بن حصن     : أجل والله ، مجدة كراما . فقال رجل من المسلمين : قاتلك الله يا  عيينة  ، أتمدحهم بالامتناع من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني والله ما جئت لأقاتل معكم ثقيفا ، ولكني أردت أن أصيب من ثقيف  جارية ، لعلها تلد لي رجلا ، فإن ثقيفا قوم مناكير . 
واستشهد بالطائف  اثنا عشر رجلا ، منهم  عبد الله بن أمية المخزومي  ، وأمه  عاتكة بنت عبد المطلب  ،  وعبد الله بن أبي بكر الصديق  ، رمي بسهم فمات منه بالمدينة  بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  والسائب بن الحارث بن عدي  ، وغيرهم . 
( وهذه بادية بنت غيلان  قال فيها هيت المخنث  لعبد الله بن أبي أمية     : إن فتح الله عليكم الطائف  فسل رسول الله أن ينفلك بادية بنت غيلان  ، فإنها هيفاء شموع نجلاء ، إن تكلمت تغنت ، وإن قامت تثنت ، وإن مشت ارتجت ، وإن قعدت تبنت ، تقبل بأربع ، وتدبر بثمان ، بثغر كالأقحوان ، بين رجليها كالقعب المكفأ . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : لقد علمت   [ ص: 139 ] الصفة . ومنعه من الدخول إلى نسائه ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					