[ ذكر الفرنج بالشام ، وانحياز القمص صاحب طرابلس إلى صلاح الدين ] اختلاف
كان القمص ، صاحب طرابلس ، واسمه ريمند بن ريمند الصنجيلي ، قد تزوج بالقومصة ، صاحبة طبرية ، وانتقل إليها ، وأقام عندها بطبرية .
ومات ملك الفرنج بالشام ، وكان مجذوما ، وأوصى بالملك إلى ابن أخت له ، وكان صغيرا ، فكفله القمص ، وقام بسياسة الملك وتدبيره لأنه لم يكن للفرنج ذلك الوقت أكبر منه شأنا ، ولا أشجع رأيا منه ، فطمع في الملك بسبب هذا الصغير ، فاتفق أن الصغير توفي ، فانتقل الملك إلى أمه ، فبطل ما كان القمص يحدث نفسه [ به ] .
[ ص: 18 ] ثم إن هذه الملكة هويت رجلا من الفرنج الذين قدموا الشام من الغرب اسمه كي ، فتزوجته ، ونقلت الملك إليه ، وجعلت التاج على رأسه ، وأحضرت البطرك ، والقسوس ، والرهبان ، والاسبتارية ، والداوية ، والبارونية ، وأعلمتهم أنها قد ردت الملك إليه ، وأشهدتهم عليها بذلك ، فأطاعوه ، ودانوا له .
فعظم ذلك على القمص ، وسقط في يديه ، وطولب بحساب ما جبى من الأموال مدة ولاية ذلك الصبي ، فادعى أنه أنفقه عليه ، وزاده ذلك نفورا ، وجاهر بالمشاقة والمباينة ، وراسل صلاح الدين ، وانتمى إليه ، واعتضد به ، وطلب منه المساعدة على بلوغ غرضه من الفرنج .
ففرح صلاح الدين والمسلمون بذلك ، ووعده النصرة ، والسعي له في كل ما يريد ، وضمن له أنه يجعله ملكا مستقلا للفرنج قاطبة ، وكان عنده جماعة من فرسان القمص أسرى فأطلقهم .
فحل ذلك عنده أعظم محل ، وأظهر طاعة صلاح الدين ، ووافقه على ما فعل جماعة من الفرنج ، فاختلفت كلمتهم وتفرق شملهم ، وكان ذلك من أعظم الأسباب الموجبة لفتح بلادهم ، واستنقاذ البيت المقدس منهم ، على ما نذكره إن شاء الله .
وسير صلاح الدين السرايا ناحية طبرية ، فشنت الغارات على بلاد الفرنج ، وخرجت سالمة غانمة ، فوهن الفرنج بذلك ، وضعفوا وتجرأ المسلمون عليهم ، وطمعوا فيهم .