الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر نهب الكرج أرمينية

في هذه السنة قصدت الكرج في جموعها ولاية خلاط من أرمينية ، ونهبوا وقتلوا ، وأسروا وسبوا أهلها كثيرا وجاسوا خلال الديار آمنين ، ولم يخرج إليهم من خلاط من يمنعهم ، فبقوا متصرفين في النهب والسبي ، والبلاد شاغرة لا مانع لها ، لأن صاحبها صبي ، والمدبر لدولته ليست له تلك الطاعة على الجند .

فلما اشتد البلاء على الناس تذامروا ، وحرض بعضهم بعضا ، واجتمعت العساكر الإسلامية التي بتلك الولاية جميعها ، وانضاف إليهم من المتطوعة كثير ، فساروا جميعهم نحو الكرج وهم خائفون ، فرأى بعض الصوفية الأخيار الشيخ محمدا البستي ، وهو من الصالحين ، وكان قد مات ، فقال له الصوفي : أراك هاهنا ؟ فقال : جئت لمساعدة المسلمين على عدوهم . فاستيقظ فرحا بمحل البستي من الإسلام ، [ ص: 237 ] وأتى إلى مدبر العسكر والقيم بأمره ، وقص عليه رؤياه ، ففرح بذلك ، وقوي عزمه على قصد الكرج ، وسار بالعساكر إليهم فنزل منزلا .

فوصلت الأخبار إلى الكرج ، فعزموا على كبس المسلمين ، فانتقلوا من موضعهم بالوادي إلى أعلاه ، فنزلوا فيه ليكبسوا المسلمين إذا أظلم الليل ، فأتى المسلمين الخبر ، فقصدوا الكرج وأمسكوا عليهم رأس الوادي وأسفله ، وهو واد ليس إليه غير هذين الطريقين ، فلما رأى الكرج ذلك أيقنوا بالهلاك ، وسقط في أيديهم ، وطمع المسلمون فيهم ، وضايقوهم ، وقاتلوهم . فقتلوا منهم كثيرا ، وأسروا مثلهم ، ولم يفلت من الكرج إلا القليل ، وكفى الله المسلمين شرهم بعد أن كانوا أشرفوا على الهلاك .

التالي السابق


الخدمات العلمية