ذكر درب ساك
لما فتح فتح صلاح الدين حصن برزية رحل عنه من الغد ، فأتى جسر الحديد ، وهو على العاصي ، بالقرب من أنطاكية ، فأقام عليه حتى وافاه من تخلف عنه من عسكره ثم سار عنه إلى قلعة درب ساك . فنزل عليها ثامن رجب ، وهي من معاقل الداوية الحصينة وقلاعهم التي يدخرونها لحماياتهم عند نزول الشدائد .
فلما نزل عليها نصب المجانيق ، وتابع الرمي بالحجارة ، فهدمت من سورها شيئا يسيرا ، فلم يبال من فيه بذلك ، فأمر بالزحف عليها ومهاجمتها ، فبادرها العسكر بالزحف وقاتلوها ، وكشفوا الرجال عن سورها ، وتقدم النقابون فنقبوا منها برجا وعلقوه ، فسقط واتسع المكان الذي يريد المقاتلة [ أن ] يدخلوا منه ، وعادوا يومهم ذلك ، ثم باكروا الزحف من الغد .
وكان من فيه قد أرسلوا إلى صاحب أنطاكية يستنجدونه ، فصبروا ، وأظهروا الجلد ، وهم ينتظرون وصول جوابه إما بإنجادهم وإزاحة المسلمين عنهم ، وإما بالتخلي عنهم ليقوم عذرهم في التسليم ، فلما علموا عجزه عن نصرتهم ، وخافوا [ ص: 57 ] هجوم المسلمين عليها ، وأخذهم بالسيف ، وقتلهم وأسرهم ونهب أموالهم ، طلبوا الأمان ، فأمنهم على شرط [ أن ] لا يخرج أحد إلا بثيابه التي عليه بغير مال ، ولا سلاح ، ولا أثاث بيت ، ولا دابة ، ولا شيء مما بها ، ثم أخرجهم منه وسيرهم إلى أنطاكية ، وكان فتحه تاسع عشر .