ذكر عكا والتفريط فيه حتى أخذت تسيير البدل إلى
لما هجم الشتاء ، وعصفت الرياح ، خاف الفرنج على مراكبهم التي عندهم لأنها لم تكن في الميناء ، فسيروها إلى بلادهم صور والجزائر ، فانفتح الطريق إلى عكا في [ ص: 87 ] البحر ، فأرسل أهلها إلى صلاح الدين يشكون الضجر والملل والسآمة .
وكان بها الأمير حسام الدين أبو الهيجاء السمين مقدما على جندها ، فأمر صلاح الدين بإقامة البدل وإنفاذه إليها ، وإخراج من فيها ، وأمر أخاه الملك العادل بمباشرة ذلك ، فانتقل إلى جانب البحر ، ونزل تحت جبل حيفا ، وجمع المراكب والشواني ، وكلما جاءه جماعة من العسكر سيرهم إليها .
وأخرج عوضهم ، فدخل إليها عشرون أميرا ، وكان بها ستون أميرا فكان الذين دخلوا قليلا بالنسبة إلى الذين خرجوا ، وأهمل نواب صلاح الدين تجنيد الرجال وإنفاذهم .
وكان على خزانة ماله قوم من النصارى ، وكانوا إذا جاءهم جماعة قد جندوا تعنتوهم بأنواع شتى ، تارة بإقامة معرفة ، وتارة بغير ذلك . فتفرق بهذا السبب خلق كثير ، وانضاف إلى ذلك تواني صلاح الدين ووثوقه بنوابه ، وإهمال النواب ، فانحسر الشتاء والأمر كذلك ، وعادت مراكب الفرنج إلى عكا وانقطع الطريق إلا من سابح يأتي بكتاب .
وكان من جملة الأمراء الذين دخلوا إلى عكا سيف الدين علي بن أحمد المشطوب ، وعز الدين أرسل مقدم الأسدية بعد جاولي وابن جاولي ، وغيرهم ، وكان دخولهم عكا أول سنة سبع وثمانين [ وخمسمائة ] .
وكان قد أشار جماعة على صلاح الدين بأن يرسل إلى من بعكا النفقات الواسعة ، والذخائر ، والأقوات الكثيرة ، ويأمرهم بالمقام ، فإنهم قد جربوا وتدربوا ، واطمأنت نفوسهم على ما هم فيه ، فلم يفعل وظن فيهم الضجر والملل ، وأن ذلك يحملهم على العجز والفشل ، فكان الأمر بالضد .