ذكر نور الدين صاحب الموصل من العساكر العادلية انهزام
في هذه السنة ، في العشرين من شوال ، انهزم نور الدين أرسلان شاه صاحب الموصل من العساكر العادلية ; وسبب ذلك أن نور الدين كان بينه وبين عمه قطب الدين محمد بن زنكي صاحب سنجار وحشة مستحكمة أولا ثم اتفقا ، وسار معه [ ص: 199 ] إلى ميافارقين سنة خمس وتسعين [ وخمسمائة ] - وقد ذكرناه - فلما كان الآن أرسل الملك العادل أبو بكر بن أيوب صاحب مصر ودمشق وبلاد الجزيرة إلى قطب الدين واستماله ، فمال إليه وخطب له ، فلما سمع نور الدين ذلك سار إلى مدينة نصيبين سلخ شعبان - وهي لقطب الدين - فحصرها وملك المدينة ، وبقيت القلعة فحصرها عدة أيام ، فبينما هو يحاصرها وقد أشرف على أن يتسلمها أتاه الخبر أن مظفر الدين دوكبري بن زين الدين علي صاحب إربل قد قصد أعمال الموصل فنهب نينوى ، وأحرق غلاتها ، فلما بلغه ذلك من نائبه المرتب بالموصل يحفظها ، وسار عن نصيبين إلى الموصل على عزم العبور إلى بلد إربل ونهبه جزاء بما فعل صاحبها ببلده ، فوصل إلى مدينة بلد ، وعاد مظفر الدين إلى بلده ، وتحقق نور الدين أن الذي قيل له وقع فيه زيادة ، فسار إلى تل أعفر من بلد وحصرها ، وأخذها ورتب أمورها وأقام عليها سبعة عشر يوما .
وكان الملك الأشرف موسى بن الملك العادل بن أيوب قد سار من مدينة حران إلى رأس عين نجدة لقطب الدين ، صاحب سنجار ونصيبين ، وقد اتفق هو ومظفر الدين ، صاحب إربل ، وصاحب الحصن وآمد ، وصاحب جزيرة ، وغيرهم ، على ذلك ، وعلى منع ابن عمر نور الدين من أخذ شيء من بلاده ، وكلهم خائفون منه ، ولم يمكنهم الاجتماع وهو على نصيبين ، فلما فارقها نور الدين سار الأشرف إليها ، وأتاه صاحب الحصن ، وصاحب الجزيرة وصاحب دارا ، وساروا عن نصيبين نحو بلد البقعا قريبا من بوشرى ، وسار نور الدين من تل أعفر إلى كفر زمار ، وعزم على المطاولة ليتفرقوا ، فأتاه كتاب من بعض مماليكه ، يسمى جرديك ، وقد أرسله يتجسس أخبارهم ، فيقللهم في عينه ، ويطمعه فيهم ، ويقول : إن أذنت لي لقيتهم بمفردي ، فسار حينئذ نور الدين إلى بوشرى فوصل إليها من الغد الظهر وقد تعبت دوابه وأصحابه ، ولقوا شدة من الحر ، فنزل بالقرب منهم أقل من ساعة .
وأتاه الخبر أن عساكر الخصم قد ركبوا ، فركب هو وأصحابه ، وساروا نحوهم فلم يروا لهم أثرا ، فعاد إلى خيامه ، ونزل هو وعساكره ، وتفرق كثير منهم في القرى [ ص: 200 ] لتحصيل العلوفات وما يحتاجون إليه ، فجاءه من أخبره بحركة الخصم وقصده ، فركب نور الدين وعسكره ، وتقدموا إليهم ، وبينهم نحو فرسخين ، فنزلوا وقد ازداد تعبهم ، والخصم مستريح ، فالتقوا ، واقتتلوا فلم تطل الحرب بينهم حتى انهزم عسكر نور الدين ، وانهزم هو أيضا ، وطلب الموصل ، فوصل إليها في أربعة أنفس ، وتلاحق الناس ، وأتى الأشرف ومن معه ، فنزلوا في كفر زمار ، ونهبوا البلاد نهبا عظيما ، وأهلكوا ما لم يصلح لهم ولا سيما مدينة بلد فإنهم أفحشوا في نهبها .
ومن أعجب ما سمعنا أن امرأة كانت تطبخ ، فرأت [ النهب ] ، فألقت سوارين كانا في يديها في النار وهربت ، فجاء بعض الجند ونهب ما في البيت ، فرأى فيه بيضا ، فأخذه وجعله في النار ليأكله ، فحكها ، فرأى السوارين فيها فأخذهما .
وطال مقامهم والرسل تتردد في الصلح ، فوقف الأمر على إعادة تل أعفر ، ويكون الصلح على القاعدة الأولى ، وتوقف نور الدين في إعادة تل أعفر ، فلما طال الأمر سلمها إليهم ، واصطلحوا أوائل سنة إحدى وستمائة ، وتفرقت العساكر من البلاد .