ذكر الظفر بالتيراهية
كان من جملة الخارجين المفسدين أيضا على شهاب الدين التيراهية ، فإنهم خرجوا إلى حدود سوران ومكرهان للغارة على المسلمين ، فأوقع بهم نائب تاج الدين ألدز ، مملوك شهاب الدين بتلك الناحية ، ويعرف بالحلحي ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، وحمل رءوس المعروفين فعلقت ببلاد الإسلام .
وكانت فتنة هؤلاء التيراهية على بلاد الإسلام عظيمة قديما وحديثا ، وكانوا إذا [ ص: 214 ] وقع بأيديهم أسير من المسلمين عذبوه بأنواع العذاب .
وكان أهل فرشابور معهم في ضر شديد لأنهم يحيطون بتلك الولاية من جوانبها ، لا سيما آخر أيام بيت سبكتكين ، فإن الملوك ضعفوا وقوي هؤلاء عليهم ، وكانوا يغيرون على أطراف البلاد ، وكانوا كفارا لا دين لهم يرجعون إليه ، ولا مذهب يعتمدون عليه ، إلا أنهم كانوا إذا ولد لأحدهم بنت وقف على باب داره ونادى : من يتزوج هذه ؟ من يقبلها ؟ فإن أجابه أحد تركها وإلا قتلها ، ويكون للمرأة عدة أزواج ، فإذا كان أحدهم عندها جعل مداسه على الباب ، فإذا جاء غيره من أزواجها ورأى مداسه عاد .
ولم يزالوا كذلك حتى أسلم طائفة منهم آخر أيام شهاب الدين الغوري ، فكفوا عن البلاد .
وسبب إسلامهم أنهم أسروا إنسانا من فرشابور ، فعذبوه فلم يمت ، ودامت أيامه عندهم ، فأحضره يوما مقدمهم وسأله عن بلاد الإسلام ، وقال : لو حضرت أنا عند شهاب الدين ماذا كان يعطيني ، فقال له المعلم : كان يعطيك الأموال والأقطاع ويرد إليك حكم جميع البلاد التي لكم ، فأرسله إلى شهاب الدين في الدخول في الإسلام ، فأعاده ومعه رسول بالخلع والمنشور بالأقطاع ، فلما وصل إليه الرسول سار هو وجماعة من أهله إلى شهاب الدين ، فأسلموا وعادوا ، وكان للناس بهم راحة ، فلما كانت هذه الفتنة واختلفت البلاد نزل أكثرهم من الجبال ، فلم يكن لهذه الطائفة بهم قدرة ليمنعوهم ، فأفسدوا وعملوا ما ذكرناه .