ذكر شروان شاه ، وظفر المسلمين بالكرج . خلع
في هذه السنة ثار على شروان شاه ولده ، فنزعه من الملك ، وأخرجه من البلاد ، وملك بعده .
وسبب ذلك أن شروان شاه كان سيئ السيرة ، كثير الفساد والظلم ، يتعرض لأموال الرعايا وأملاكهم ، وقيل أيضا : إنه كان يتعرض للنساء والولدان ، فاشتدت وطأته على الناس ، فاتفق بعض العسكر مع ولده ، وأخرجوا أباه من البلاد ، وملك الابن ، وأحسن السيرة ، فأحبه العساكر والرعية ، وأرسل الولد إلى أبيه يقول له : إني أردت أن أتركك في بعض القلاع وأجري لك الجرايات الكثيرة ، ولكل من تحب أن يكون عندك ، والذي حملني على ما فعلت معك سوء سيرتك وظلمك لأهل البلاد ، وكراهيتهم لك ولدولتك .
فلما رأى الأب ذلك ، سار إلى الكرج واستنصر بهم ، وقرر معهم أن يرسلوا معه عسكرا يعيدونه إلى ملكه ، ويعطيهم نصف البلاد ، فسيروا معه عسكرا كثيرا ، فسار حتى قارب مدينة شروان ، فجمع ولده العسكر ، وأعلمهم الحال ، وقال : إن الكرج متى حصرونا ، ربما ظفروا بنا ، وحينئذ لا يبقي أبي على أحد منا ، ويأخذ الكرج نصف البلاد ، وربما أخذوا الجميع ، وهذا أمر عظيم ، والرأي أننا نسير إليهم جريدة ونلقاهم ، فإن ظفرنا بهم فالحمد لله ، وإن ظفروا بنا فالحصر بين أيدينا ، فأجابوه إلى ذلك .
فخرج في عسكره ، وهم قليل نحو ألف فارس ، ولقوا الكرج وهم في ثلاثة آلاف مقاتل ، فالتقوا واقتتلوا ، وصبر أهل شروان ، فانهزم الكرج ، فقتل كثير منهم ، وأسر كثير ، ومن سلم عاد بأسوأ حال ، وشروان شاه المخلوع معهم ، فقال له مقدمو الكرج : إننا لم نلق بسببك خيرا ، ولا نؤاخذك بما كان منك ، فلا تقم ببلادنا ، ففارقهم وبقي مترددا لا يأوي إلى أحد ، واستقر ولده في الملك ، وأحسن إلى الجند والرعية [ ص: 393 ] وأعاد إلى الناس أملاكهم ومصادراتهم ، فاغتبطوا بولايته .