[ ص: 329 ] ذكر فتح بيت المقدس  وهو إيلياء  
في هذه السنة فتح بيت المقدس   ، وقيل : سنة ست عشرة في ربيع الأول . 
وسبب ذلك أنه لما دخل  أرطبون  إيلياء  ، فتح  عمرو  غزة  ، وقيل : كان فتحها في خلافة  أبي بكر  ، ثم فتح سبسطية  ، وفيها قبر  يحيى بن زكرياء  ، عليه السلام ، وفتح نابلس  بأمان على الجزية ، وفتح مدينة لد  ، ثم فتح يبنى  وعمواس  وبيت جبرين  ، وفتح يافا  ، وقيل : فتحها  معاوية  ، وفتح  عمرو  رفح    . 
فلما تم له ذلك أرسل إلى  أرطبون  رجلا يتكلم بالرومية وقال له : اسمع ما يقول ، وكتب معه كتابا ، فوصل الرسول ، ودفع الكتاب إلى  أرطبون  وعنده وزراؤه ، فقال  أرطبون     : لا يفتح - والله -  عمرو  شيئا من فلسطين  بعد أجنادين    . فقالوا له : من أين علمت هذا ؟ فقال : صاحبها رجل صفته كذا وكذا ، وذكر صفة  عمر     . فرجع الرسول إلى  عمرو  فأخبره الخبر ، فكتب إلى   عمر بن الخطاب  يقول : إني أعالج عدوا شديدا وبلادا قد ادخرت لك ، فرأيك . فعلم  عمر  أن  عمرا  لم يقل ذلك إلا بشيء سمعه ، فسار  عمر  عن المدينة  
وقيل : كان سبب قدوم  عمر  إلى الشام  أن  أبا عبيدة  حصر بيت المقدس  ، فطلب أهله منه أن يصالحهم على صلح أهل مدن الشام  ، وأن يكون المتولي للعقد   عمر بن الخطاب  ، فكتب إليه بذلك ، فسار عن المدينة  واستخلف عليها   علي بن أبي طالب  ، فقال له  علي     : أين تخرج بنفسك ؟ إنك تريد عدوا كلبا . فقال  عمر     : أبادر بالجهاد قبل موت  العباس  ، إنكم لو فقدتم  العباس  لانتقض بكم الشر كما ينتقض [ أول ] الحبل . فمات  العباس  لست سنين من خلافة  عثمان  ، فانتقض بالناس الشر 
وسار  عمر  فقدم الجابية  على فرس ، وجميع ما قدم الشام  أربع مرات : الأولى على   [ ص: 330 ] فرس ، الثانية على بعير ، والثالثة على بغل - رجع لأجل الطاعون - والرابعة على حمار . وكتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه بالجابية  ليوم سماه لهم في المجردة ، ويستخلفوا على أعمالهم ، فلقوه حيث رفعت لهم الجابية  ، فكان أول من لقيه  يزيد  وأبو عبيدة  ثم  خالد  على الخيول ، عليهم الديباج والحرير ، فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها وقال : ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم ! إياي تستقبلون في هذا الزي وإنما شبعتم مذ سنتين ! وبالله لو فعلتم هذا على رأس المائتين لاستبدلت بكم غيركم . فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنها يلامقة ، وإن علينا السلاح . قال : فنعم إذن . وركب حتى دخل الجابية  وعمرو  وشرحبيل  كأنهما لم يتحركا . 
فلما قدم  عمر  الجابية  قال له رجل من اليهود : يا أمير المؤمنين ، إنك لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء  ، وكانوا قد شجوا  عمرا  وشجهم ، ولم يقدر عليها ولا على الرملة    . فبينما  عمر  معسكر بالجابية  فزع الناس إلى السلاح ، فقال : ما شأنكم ؟ فقالوا : ألا ترى إلى الخيل والسيوف ؟ فنظر فإذا كردوس  يلمعون بالسيوف . فقال  عمر     : مستأمنة فلا تراعوا ، فأمنوهم ، وإذا أهل إيلياء  وحيزها ، فصالحهم على الجزية وفتحوها له . وكان الذي صالحه  العوام  ، لأن  أرطبون  والتذارق دخلا مصر  لما وصل  عمر  إلى الشام  ، وأخذوا كتابه على إيلياء  وحيزها والرملة  وحيزها ، فشهد ذلك اليهودي الصلح . فسأله  عمر  عن  الدجال  ، وكان كثير السؤال عنه . فقال له : وما مسألتك عنه يا أمير المؤمنين ؟ أنتم والله تقتلونه دون باب لد ببضع عشرة ذراعا . وأرسل  عمر  إليهم بالأمان وجعل  علقمة بن حكيم  على نصف فلسطين  وأسكنه الرملة  ، وجعل  علقمة بن مجزز  على نصفها الآخر وأسكنه إيلياء    . وضم  عمرا  وشرحبيل  إليه بالجابية  فلقياه راكبا فقبلا ركبتيه ، وضم  عمر  كل واحد منهما محتضنهما . 
ثم سار إلى بيت المقدس  من الجابية  فركب فرسه فرأى به عرجا ، فنزل عنه وأتي   [ ص: 331 ] ببرذون فركبه ، فجعل يتجلجل به ، فنزل وضرب وجهه وقال : لا أعلم من علمك هذه الخيلاء ! ثم لم يركب برذونا قبله ولا بعده . 
وفتحت إيلياء  وأهلها على يديه . وقيل : كان فتحها سنة ست عشرة ، ولحق  أرطبون  ومن أبى الصلح من الروم بمصر  ، فلما ملك المسلمون مصر  قتل ، وقيل : بل لحق بالروم ، فكان يكون على صوائفهم ، والتقى هو وصاحب صائفة المسلمين ، ومع المسلمين رجل من قيس  يقال له  ضريس  ، فقطع يد القيسي وقتله القيسي ، فقال فيه : 
فإن يكن  أرطبون  الروم أفسدها فإن فيها بحمد الله منتفعا 
وإن يكن  أرطبون  الروم قطعها فقد تركت بها أوصاله قطعا 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					