ذكر غزو الترك
لما أمر عبد الرحمن بن ربيعة بغزو الترك خرج بالناس حتى قطع الباب . فقال له شهريار : ما تريد أن تصنع ؟ قال : أريد غزو بلنجر والترك . قال : إنا لنرضى منهم أن يدعونا من دون الباب . قال عبد الرحمن : لكنا لا نرضى حتى نغزوهم في ديارهم ، وبالله [ ص: 412 ] إن معنا أقواما لو يأذن لهم أميرنا في الإمعان لبلغت بهم الروم . قال : وما هم ؟ قال : أقوام صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودخلوا في هذا الأمر بنية ، ولا يزال هذا الأمر لهم دائما ولا يزال النصر معهم حتى يغيرهم من يغلبهم ، وحتى يلفتوا عن حالهم . فغزا بلنجر غزاة في زمن عمر فقالوا : ما اجترأ علينا إلا ومعه الملائكة تمنعهم من الموت ، فهربوا منه وتحصنوا ، فرجع بالغنيمة والظفر ، وقد بلغت خيله البيضاء على رأس مائتي فرسخ من بلنجر ، وعادوا ولم يقتل منهم أحد .
ثم غزاهم أيام غزوات ، فظفر كما كان يظفر ، حتى تبدل أهل عثمان بن عفان الكوفة لاستعمال عثمان من كان ارتد استصلاحا لهم فزادهم فسادا ، فغزا عبد الرحمن بن ربيعة بعد ذلك ، فتذامرت الترك ، واجتمعوا في الغياض ، فرمى رجل منهم رجلا من المسلمين على غرة فقتله ، وهرب عنه أصحابه ، فخرجوا عليه عند ذلك ، فاقتتلوا واشتد قتالهم ، ونادى مناد من الجو : صبرا عبد الرحمن وموعدكم الجنة ! فقاتل عبد الرحمن حتى قتل ، وانكشف أصحابه ، وأخذ الراية سلمان بن ربيعة أخوه فقاتل بها ، ونادى مناد من الجو : صبرا آل سلمان ! فقال سلمان : أوترى جزعا ؟ وخرج سلمان بالناس معه على أبو هريرة الدوسي جيلان ، فقطعوها إلى جرجان ، ولم يمنعهم ذلك من إنجاء جسد عبد الرحمن ، فهم يستسقون به إلى الآن .