الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ابتداء قتل عثمان

في هذه السنة تكاتب نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وغيرهم بعضهم إلى بعض : أن اقدموا فإن الجهاد عندنا ، وعظم الناس على عثمان ونالوا منه ، وليس أحد من الصحابة ينهى ولا يذب إلا نفر ، منهم : زيد بن ثابت ، وأبو أسيد الساعدي ، وكعب بن مالك ، وحسان بن ثابت ، فاجتمع الناس فكلموا علي بن أبي طالب ، فدخل على عثمان فقال له : الناس ورائي وقد كلموني فيك ، والله ما أدري ما أقول لك ولا أعرف شيئا تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما أعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وما خصصنا بأمر دونك ، وقد رأيت وصحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمعت منه ونلت صهره ، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك ، ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك ، وأنت أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحما ، ولقد نلت من صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم ينالاه ، وما سبقاك إلى شيء ، فالله الله في نفسك ، فإنك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهالة ، وإن الطريق لواضح بين ، وإن أعلام الدين لقائمة . اعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله إمام عادل هدي وهدى ، فأقام سنة معلومة وأمات بدعة متروكة ، فوالله إن كلا لبين ، وإن السنن لقائمة لها أعلام ، وإن البدع لقائمة لها أعلام ، وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وأضل ، فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة ، وإني أحذرك الله وسطواته ونقماته ، فإن عذابه شديد أليم ، وأحذرك أن تكون إمام هذه الأمة الذي يقتل فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، ويلبس أمورها عليها ويتركها شيعا لا يبصرون الحق لعلو الباطل ، يموجون فيها موجا ، ويمرجون فيها مرجا .

فقال عثمان : قد علمت والله ليقولن الذي قلت ، أما والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ولا عبت عليك ولا جئت منكرا ، أن وصلت رحما وسددت خلة وآويت ضائعا ، ووليت شبيها بمن كان عمر يولي . أنشدك الله يا علي هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ قال : نعم . قال : فتعلم أن عمر ولاه ؟ قال : نعم . قال : فلم تلمني أن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته ؟ قال علي : إن عمر كان يطأ على صماخ من ولى إن [ ص: 523 ] بلغه عنه حرف جلبه ، ثم بلغ به أقصى العقوبة وأنت لا تفعل ، ضعفت ورققت على أقربائك . قال عثمان : وهم أقرباؤك أيضا ! قال : أجل ، إن رحمهم مني لقريبة ، ولكن الفضل في غيرهم . قال عثمان : هل تعلم أن عمر ولى معاوية ؟ فقد وليته . فقال علي : أنشدك الله ، هل تعلم أن معاوية كان أخوف لعمر من يرفأ ، غلام عمر ، له ؟ قال : نعم . قال علي : فإن معاوية يقتطع الأمور دونك ويقول للناس هذا أمر عثمان ، وأنت تعلم ذلك فلا تغير عليه .

ثم خرج علي من عنده ، وخرج عثمان على أثره فجلس على المنبر ثم قال : أما بعد فإن لكل شيء آفة ولكل أمر عاهة ، وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ويسترون عنكم ما تكرهون ، يقولون لكم ويقولون ، أمثال النعام يتبعون أول ناعق ، أحب مواردهم إليهم البعيد ، لا يشربون إلا نغصا ولا يردون إلا عكرا ، [ لا ] يقوم لهم رائد وقد أعيتهم الأمور ، ألا فقد والله عبتم علي ما أقررتم لابن الخطاب بمثله ، ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه ، فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم ، ولنت لكم وأوطأتكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم ، فاجترأتم علي . أما والله لأنا أعز نفرا وأقرب ناصرا وأكثر عددا وأحرى ، إن قلت هلم أتي إلي ، ولقد عددت لكم أقرانا ، وأفضلت عليكم فضولا ، وكشرت لكم عن نابي ، وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ومنطقا لم أنطق به ، فكفوا عني ألسنتكم وعيبكم وطعنكم على ولاتكم ، فإني كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا . ألا فما تفقدون من حقكم ؟ والله ما قصرت عن بلوغ ما بلغ من كان قبلي ، ولم تكونوا تختلفون عليه .

فقام مروان بن الحكم فقال : إن شئتم حكمنا والله ما بيننا وبينكم السيف ، نحن وأنتم والله كما قال الشاعر :


فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم معارسكم تبنون في دمن الثرى



فقال عثمان : اسكت لا سكت ، دعني وأصحابي ، ما منطقك في هذا ! ألم أتقدم إليك أن لا تنطق ؟ فسكت مروان ونزل عثمان . ( عن المنبر ، فاشتد قوله على الناس وعظم وزاد تألبهم عليه ) .

[ ص: 524 ] ذكر عدة حوادث

[ الوفيات ]

وحج هذه السنة بالناس عثمان . وفي هذه السنة توفي كعب الأحبار ، وهو كعب بن ماتع ، وأسلم أيام عمر . وفيها مات أبو عبس عبد الرحمن بن جبر الأنصاري ، شهد بدرا . وفيها مات مسطح بن أثاثة المطلبي ، وهو ابن ست وخمسين سنة ، وقيل : [ ص: 525 ] بل عاش وشهد صفين مع علي ، وهو الأكثر ، وكان بدريا .

وفيها توفي عبادة بن الصامت الأنصاري ، وهو ممن شهد العقبة ، وكان نقيبا بدريا .

( وعاقل بن البكير ، وهو بدري أيضا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية