ذكر بعض سيرته وأخباره وقضاته وكتابه
لما بويع معاوية بالخلافة استعمل على شرطته قيس بن حمزة الهمداني ، ثم عزله واستعمل زمل بن عمرو العذري ، وقيل السكسكي . وكان كاتبه وصاحب أمره سرجون الرومي ، وعلى حرسه رجل من الموالي يقال له المختار ، وقيل أبو المخارق مالك مولى حمير ، وكان أول من اتخذ الحرس ، وكان على حجابه سعد مولاه ، وعلى القضاء
[ ص: 125 ] ، فمات ، فاستقضى فضالة بن عبيد الأنصاري . أبا إدريس الخولاني
وكان على ديوان الخاتم عبد الله بن محصن الحميري ، وكان أول من اتخذ ديوان الخاتم ، وكان سبب ذلك أن معاوية أمر بمائة ألف درهم وكتب له بذلك إلى لعمرو بن الزبير زياد ، ففتح عمرو الكتاب وصير المائة مائتين ، فلما رفع زياد حسابه أنكرها معاوية وطلبها من عمرو وحبسه ، فقضاها عنه أخوه عبد الله بن الزبير ، فأحدث عنه ذلك معاوية ديوان الخاتم وحزم الكتب ، ولم تكن تحزم .
قال : يذكرون عمر بن الخطاب كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية !
قيل : وقدم من عمرو بن العاص مصر على معاوية ومعه من أهل مصر ، فقال لهم عمرو : لا تسلموا على معاوية بالخلافة فإنه أهيب لكم في قلبه وصغروا ما استطعتم .
فلما قدموا قال معاوية لحجابه : كأني بابن النابغة وقد صغر أمري عند القوم ، فانظروا إذا دخل القوم فتعتعوهم أشد ما يحضركم .
فكان أول من دخل عليه رجل منهم يقال له ابن الخياط فقال : السلام عليك يا رسول الله ! وتتابع القوم على ذلك ، فلما خرجوا قال لهم عمرو : لعنكم الله ! نهيتكم أن تسلموا عليه بالإمارة فسلمتم عليه بالنبوة !
قيل : ودخل على عبيد الله بن أبي بكرة معاوية ومعه ولد له فأكثر من الأكل ، فلحظه معاوية ، وفطن عبيد الله وأراد أن يغمز ابنه فلم يرفع رأسه حتى فرغ من الأكل ، ثم عاد عبيد الله وليس معه ابنه ، فقال معاوية : ما فعل ابنك التلقامة ؟ قال : اشتكى .
قال : قد علمت أن أكله سيورثه داء .
قال : قدم جويرية بن أسماء على أبو موسى الأشعري معاوية في برنس أسود فقال : السلام عليك يا أمين الله ! قال : وعليك السلام .
فلما خرج قال معاوية : قدم الشيخ لأوليه ، والله لا أوليه !
[ ص: 126 ] وقال عمرو بن العاص لمعاوية : ألست أنصح الناس لك ؟ قال : بذلك نلت ما نلت .
قال أيضا : كان جويرية بن أسماء عند بسر بن أبي أرطاة معاوية فنال من علي وزيد بن عمر بن الخطاب حاضر ، وأمه ، فعلاه بالعصا وشجه ، فقال أم كلثوم بنت علي معاوية لزيد : عمدت إلى شيخ قريش وسيد أهل الشام فضربته ! وأقبل على بسر فقال : تشتم عليا وهو جده وابن الفاروق على رءوس الناس ! أترى أن يصبر على ذلك ؟ فأرضاهما جميعا .
وقال معاوية : إني لأرفع نفسي من أن يكون ذنب أعظم من عفوي ، وجهل أكبر من حلمي ، وعورة لا أواريها بستري ، وإساءة أكثر من إحساني .
وقال معاوية لعبد الرحمن بن الحكم : يا ابن أخي إنك قد لهجت بالشعر ، فإياك والتشبيب بالنساء فتعر الشريفة ، والهجاء فتعر كريما وتستثير لئيما ، والمدح فإنه طعمة الوقاح ، ولكن افخر بمفاخر قومك وقل من الأمثال ما تزين به نفسك وتؤدب به غيرك .
قال عبد الله بن صالح : قيل لمعاوية : أي الناس أحب إليك ؟ قال : أشدهم لي تحبيبا إلى الناس .
وقال معاوية : العقل والحلم والعلم أفضل ما أعطي العباد ، فإذا ذكر ذكر ، وإذا أعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر ، وإذا غضب كظم ، وإذا قدر غفر ، وإذا أساء استغفر ، وإذا وعد أنجز .
قال عبد الله بن عمير : أغلظ لمعاوية رجل فأكثر ، فقيل له : أتحلم عن هذا ؟ فقال : إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا .
وقال محمد بن عامر : لام معاوية عبد الله بن جعفر على الغناء ، فدخل عبد الله على معاوية ومعه بديح ومعاوية واضع رجلا على رجل ، فقال عبد الله لبديح : إيها يا
[ ص: 127 ] بديح ! فتغنى ، فحرك معاوية رجله ، فقال عبد الله : مه يا أمير المؤمنين ! فقال معاوية : إن الكريم طروب .
قال : ما رأيت أخلق للملك من ابن عباس معاوية ، إن كان ليرد الناس منه على أرجاء واد رحب ، ولم يكن كالضيق الحصحص الحصر ، يعني ابن الزبير ، وكان مغضبا .
وقال : وقف صفوان بن عمرو عبد الملك بقبر معاوية فوقف عليه فترحم ، فقال رجل : قبر من هذا ؟ فقال : قبر رجل كان والله فيما علمته ينطق عن علم ، ويسكت عن حلم ، إذا أعطى أغنى ، وإذا حارب أفنى ، ثم عجل له الدهر ما أخره لغيره ممن بعده ، هذا قبر أبي عبد الرحمن معاوية .
ومعاوية أول خليفة بايع لولده في الإسلام ، وأول من وضع البريد ، وأول من سمى الغالية التي تطيب من الطيب غالية ، وأول من عمل المقصورة في المساجد ، وأول من خطب جالسا ، في قول بعضهم .