النقول المشرقة في مسألة النفقة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وقع السؤال عن ، فسكن معها في منزلها ، فهل يلزمه نفقة أم لا ؟ وأقول : عبارة الروضة إذا زوج أمته لم يلزمه تسليمها إلى الزوج ليلا ونهارا لكن يستخدمها نهارا ويسلمها ليلا ، ولو قال السيد : لا أخرجها من داري ، ولكن أخلي لك بيتا لتدخله ، وتخلو بها فقولان ، أظهرهما ليس له ذلك ؛ فإن الحياء والمروءة يمنعانه دخول دار غيره ، وعلى هذا فلا نفقة على الزوج ، كما لو قالت الحرة : أدخل بيتي ولا [ ص: 264 ] أخرج إلى بيتك ، والثاني للسيد ذلك ؛ لتدوم يده على ملكه ، مع تمكن الزوج من حقه ، فعلى هذا تلزمه النفقة - هذه عبارة الروضة وهي صريحة ، أو ظاهرة في أن ذلك فيما إذا جاء الزوج ، واستمتع بها في منزلها ، بدليل قياس مسألة الأمة عليها ، فإن محل مسألة الأمة فيما إذا فعل الزوج ذلك بلا شك ، فكذلك مسألة الحرة المقيس عليها ، ولو كانت مسألة الحرة فيما إذا لم يفعل ، ومسألة الأمة فيما إذا فعل لم يصح القياس ، كما لا يخفى ؛ إذ الفارق حينئذ أن يفرق بين المقيس والمقيس عليه بوجود الاستمتاع في هذا دون هذا ، فإن زعم زاعم أن مسألة الأمة أيضا محلها فيما إذا لم يفعل . رجل تزوج بامرأة حرة ، وأراد الدخول عليها في منزله فامتنعت من ذلك ، وقالت : أنا لا أخرج من منزلي
قلنا : قد صرح الشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج ، بخلاف ذلك فقال ما نصه : ولو أخلى السيد في داره بيتا ، وقال للزوج : تخلو بها فيه لم يلزمه ذلك في الأصح ؛ لأن الحياء والمروءة يمنعانه من دخول داره ، ولو فعل ذلك فلا نفقة عليه - هذا لفظه ، ويقويه من جهة المعنى أمران ، أحدهما : أنها لو كانت فيما إذا لم يدخل لم يكن فيها قول بوجوب النفقة ، فإن الزوج إذا لم يدخل لا نفقة عليه بلا خلاف ، والخلاف في هذه مصرح به في الروضة ، والشرح كما ترى ، فتعين أن يكون محله فيما إذا دخل ، والوجه الثاني : أن هذه المسألة كمسألة ما إذا استخدمها السيد نهارا ، وسلمها للزوج ليلا ، والمرجح في تلك أنه لا نفقة على الزوج مع دخوله واستمتاعه كل ليلة ، فكذا هذه ، بل هذه أولى ؛ لأن الحرج فيها أضيق من تلك ، فإنه هناك تسلمها نصف تسليم ؛ وهو الليل كله الذي هو محل الاستمتاع ، وهنا لم يتسلمها أصلا ، ويؤكد ما قلناه من الأولوية أمر آخر ، وهو أن قول السيد لا أسلمها إليك نهارا بل ليلا فقط مقبول منه ومجاب إليه ، وقوله : " لا أخرجها من داري ، ولكن أخلي لك بيتا فيها " غير مقبول منه ولا مجاب إليه ، فإذا لم يلزم الزوج نفقة في حالة مجاب إليها السيد شرعا ، فكيف يتخيل أن تلزمه النفقة في حالة لا يجاب السيد إليها شرعا - هذا ما أفهمته عبارة الروضة .
وقال في الروضة أيضا في كتاب النفقات ما نصه : فرع : لو قالت المرأة : لا أمكن إلا في بيتي ، أو في موضع كذا ، أو بلد كذا فهي ناشزة ، وعبر الرافعي في الشرح بأوضح من عبارة الروضة ، فقال : ولو قالت المرأة : لا أمكن إلا في بيتي ، أو في بيت كذا ، أو بلد كذا فهي ناشزة ؛ لأن التمكين التام لم يوجد ، وهذا كما لو سلم البائع المبيع ، وشرط أن لا ينقله إلى موضع كذا هذه عبارة الرافعي فانظر كيف علله بقوله : لأن التمكين التام لم يوجد ، فدل على أنه وجد تمكين ناقص ، والتمكين الناقص لا تجب معه نفقة وإن استمتع الزوج ، كما عللوا به مسألة الأمة إذا استخدمها السيد نهارا وأسلمها للزوج ليلا فإنه لا نفقة على الزوج مع رضاه به ، وإجباره عليه شرعا ؛ لأنه ليس بتمكين تام ، وانظر أيضا كيف شبهه الرافعي بمسألة تسليم [ ص: 265 ] البائع المبيع بشرط أن لا ينقله فإن هذا لا يكون تسليما تاما وإن رضي به المشتري ، ثم راجعنا كتاب التتمة للمتولي ، فوجدنا عبارته أوضح من عبارة الرافعي ، والسر في ذلك : أن الكتب الأصول تبسط فيها العبارة بسطا لا يبقى معه إشكال على قاصري الفهم ، والكتب المأخوذة منها تكف فيها العبارة اتكالا على فهم الفطن ، أو توقيف الموقف ، ولما كانت الروضة مأخوذة من الشرح كانت عبارة الشرح أوضح من عبارتها ، ولما كان الشرح مأخوذا من مثل التتمة ونحوها كانت عبارتهم أوضح ، وعبارة التتمة نصها : التسليم الذي يتعلق به استحقاق النفقة أن تقول المرأة لزوجها : أنا في طاعتك فخذني إلى أي مكان شئت ، فإذا أظهرت الطاعة من نفسها على هذا الوجه فقد جعلت ممكنة ، سواء تسلمها الزوج أو لم يتسلمها ، فأما إذا قالت : أسلم نفسي إليك في منزلي أو في موضع كذا دون غيره من المواضع لم يكن هذا تسليما تاما ، كالبائع إذا قال للمشتري : أسلم المبيع إليك على شرط أن لا تنقله من موضعه ، أو على شرط أن تتركه في موضع كذا لم يكن تسليما للمبيع ، حتى يجب تسليم الثمن على قولنا : تجب البداية بتسليم المبيع - هذا نص التتمة بحروفه ، ومنه أخذ الرافعي .
وقال في التتمة أيضا في مسألة الأمة : لو ، فمن أصحابنا من قال : لها النفقة ؛ لأن للسيد فيها حقا فلا يمكن أن يكلف إزالة يده ، والزوج قد يمكن منها على الإطلاق ، ومنهم من قال : لا تستحق النفقة ؛ لأن الزوج يحتشم من دخول داره في كل وقت ، فلا يكمل التسليم - هذه عبارته ، فانظر كيف علل الوجه القائل بعدم النفقة ، الذي هو المصحح في الروضة بعدم كمال التسليم ، فاندفع قول من قال : إن التسليم في مسألة لو أخلى في داره بيتا كاملا ، إذ يدخل عليها من شاء من ليل أو نهار ، بخلاف مسألة تسليمها ليلا لا نهارا ؛ فإنه ناقص فيها ، فها أنت قد رأيت تصريح قال السيد للزوج : أذنت لك أن تدخل منزلي متى شئت من ليل أو نهار ، ولكني لا أمكن الجارية من الخروج من داري المتولي بخلافه .
وقد صرح المتولي أيضا في مسألة الحرة بالتسوية بين ما إذا قالت : أسلم نفسي ليلا ، وبين ما إذا قالت : لا أسلم نفسي إلا في بيتي ، فقال ما نصه : الثالث عشر : السيد إذا زوج أمته ، فإن سلمها إلى الزوج ليلا ونهارا وجبت نفقتها ، وأما إن سلمها ليلا دون النهار اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه : أحدها لا تستحق النفقة ، وهو اختيار ابن ، ووجهه أنه تسليم ناقص فلا تستحق النفقة ، كالحرة إذا قالت : أسلم نفسي ليلا ، أو قالت : أسلم نفسي في موضع مخصوص ، والثاني : تجب النفقة بخلاف الحرة ، والفرق أن للزوج أن يسافر بها ، وليس له أن يسافر بالأمة ، فانظر بحمد الله إلى هذا التصريح المطابق لما فهمناه ، وكيف قطع بعدم وجوب [ ص: 266 ] النفقة في الحرة في مسألتين : التسليم ليلا ، والتسليم في موضع مخصوص ، وفرق بينها وبين الأمة ، حيث [ جرى ] الخلاف فيها بأن الزوج يملك المسافرة بالحرة ، فكان امتناعها من النقلة نشوزا كامتناعها من المسافرة معه ، ولا يملك المسافرة بالأمة ، فجرى وجه أنه لا يملك نقلها فلم يكن نشوزا ، ولا مسقطا للنفقة على هذا الوجه . أبي هريرة
وقد صرح النووي أيضا في الروضة بالتفرقة المذكورة ، فقال : لو سامح السيد فسلمها ليلا ونهارا فعلى الزوج تسليم المهر ، وتمام النفقة ، وإن لم يسلمها إلا ليلا فهل تجب جميع النفقة ، أو نصفها أم لا يجب شيء ؟ فيه أوجه ، أصحها عند جمهور العراقيين ، أنه لا يجب شيء ، ويجري الوجهان الأخيران فيما إذا سلمت الحرة نفسها ليلا ، واشتغلت عن الزوج نهارا . قلت : الصحيح الجزم في الحرة أنه لا يجب شيء في هذا الحال ، والله أعلم ، فانظر كيف صحح طريقة الجزم في الحرة مع إجراء الخلاف في الأمة . والبغوي
وأما قول من قال : كيف يدخل ويستمتع في غير مقابل ؟ فجوابه : أنه في مقابلة المهر ، وقد قال في الروضة هنا ما نصه : وأما المهر فقال الشيخ أبو حامد : لا يجب تسليمه كالنفقة ، وقال القاضي أبو الطيب : يجب ، قال ابن الصباغ : لأن التسليم الذي يتمكن معه من الوطء قد حصل وليس كالنفقة فإنها لا تجب بتسليم واحد . قلت : الأصح الوجوب ، والله أعلم .