الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله : ( قل إصلاح لهم خير ) فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : قال القاضي : هذا الكلام يجمع النظر في صلاح مصالح اليتيم بالتقويم والتأديب وغيرهما ، لكي ينشأ على علم وأدب وفضل ؛ لأن هذا الصنع أعظم تأثيرا فيه من إصلاح حاله بالتجارة ، ويدخل فيه أيضا إصلاح ماله كي لا تأكله النفقة من جهة التجارة ، ويدخل فيه أيضا معنى قوله تعالى : ( وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) [النساء : 2] ومعنى قوله : ( خير ) يتناول حال المتكفل ، أي هذا العمل خير له من أن يكون مقصرا في حق اليتيم ، ويتناول حال اليتيم أيضا ، أي هذا العمل خير لليتيم من حيث إنه يتضمن صلاح نفسه ، وصلاح ماله ، فهذه الكلمة جامعة لجميع مصالح اليتيم والولي .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : ظاهر قوله : ( قل إصلاح لهم خير ) لا يتناول إلا تدبير أنفسهم دون مالهم .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : ليس كذلك ; لأن ما يؤدي إلى إصلاح ماله بالتنمية والزيادة يكون إصلاحا له ، فلا يمتنع دخوله تحت الظاهر ، وهذا القول أحسن الأقوال المذكورة في هذا الموضع .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قول من قال : الخبر عائد إلى الولي ، يعني : أن إصلاح أموالهم من غير عوض ولا أجرة خير للولي وأعظم أجرا له .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن يكون الخبر عائدا إلى اليتيم ، والمعنى أن مخالطتهم بالإصلاح خير لهم من التفرد عنهم والإعراض عن مخالطتهم .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الأول أولى ; لأن اللفظ مطلق فتخصيصه ببعض الجهات دون البعض ، ترجيح من غير مرجح وهو غير جائز ، فوجب حمله على الخيرات العائدة إلى الولي ، وإلى اليتيم في إصلاح النفس ، وإصلاح المال ، وبالجملة فالمراد من الآية أن جهات المصالح مختلفة غير مضبوطة ، فينبغي أن يكون عين المتكفل لمصالح اليتيم على تحصيل الخير في الدنيا والآخرة لنفسه ، واليتيم في ماله وفي نفسه ، فهذه كلمة جامعة لهذه الجهات بالكلية .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( وإن تخالطوهم فإخوانكم ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : المخالطة جمع يتعذر فيه التمييز ، ومنه يقال للجماع : الخلاط ويقال : خولط الرجل [ ص: 45 ] إذا جن ، والخلاط الجنون لاختلاط الأمور على صاحبه بزوال عقله .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية